ما هي قصة ترحيل الشباب السوريين من إسطنبول؟

معبر باب السلامة بين تركيا والشمال السوري

معبر باب السلامة بين تركيا والشمال السوري

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

إسطنبول – اقتصاد تركيا

"خرجت من منزلي ظهرا لتقديم امتحاني الجامعي، وعندما وصلت إلى ساحة ميدان إسنيورت في مدينة إسطنبول أوقفني رجال الشرطة. طلبوا بطاقة الحماية المؤقتة التي أحملها، ومن ثم أدخلوني إلى الباص، بعد ملاحظتهم أنها صادرة عن ولاية أضنة. عشرة أيام مضت بعد هذه الحادثة، لتنتهي الأمور بي بالترحيل الإجباري إلى الشمال السوري".

بهذه العبارة يلخّص الطالب الجامعي السوري، علي البكور، قصة ترحيله من تركيا إلى مناطق الشمال السوري قبل أيام، وهو أحد الشبان البالغ عددهم قرابة 152، الذين انتهى بهم الحال بالترحيل إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي.

ويضيف البكور: "رغم أنني أحمل بطاقة جامعية من إحدى كليات إسطنبول، إلا أن ذلك لم يكن كفيلا في تجنب قرار الترحيل، الذي يرتبط بشكل أساسي ببطاقة الحماية المؤقتة التي أحملها، والصادرة عن ولاية أضنة".

"قضيت عشرة أيام في مركز الاحتجاز بولاية توزلا، وبعد ذلك تم نقلي إلى مركز ولاية كلّس. وقّعت على ورقة الترحيل بشكل إجباري، ومن ثم أدخلت إلى شمال سوريا من معبر باب السلامة مع بقية الشبان".

ويوضح البكور لموقع "الحرة"، من حيث يستقر في مدينة عفرين مع ثلاثة شبان "مرحلين"، مشيرا: "لا نعرف كيف سيكون مصيرنا؟ لا نعرف أحد في المنطقة، ونبحث عن مكان نمكث فيه".

وتشبه هذه الحالة ما حصل للشاب السوري محمد أبو عابد، الذي استقر به الحال أيضا في منطقة عفرين، ويقول لموقع "الحرة": "أحمل بطاقة حماية مؤقتة صادرة عن ولاية قونيا، وفي أثناء محاولتي فتح شركة في إسطنبول أوقفني رجال البوليس. بعد عشرة أيام من الاحتجاز أيضا تم ترحيلي إلى شمال سوريا".

ويضيف أبو عابد: "في أثناء وصولنا إلى ولاية كلّس تفاجأنا بالتبصيم على ورقة الترحيل بشكل إجباري. لم يكن هناك أمم متحدة. لنا في تركيا عائلات وأعمال".

وتداول مستخدمون سوريون وأتراك، منذ يومين، على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصورة لعشرات الشبان السوريين، "الذين تم ترحيلهم إلى مناطق الشمال السوري، لأسباب مختلفة".

وكان من بين هؤلاء الشاب البكور، بالإضافة إلى آخرين يحملون تصريحا للعمل في إسطنبول، الأمر الذي أثار تساؤلات وخشية من أسباب هذه الحملة، التي أقدمت عليها السلطات التركية بشكل أساسي في مدينة إسطنبول.

ويوضح طه الغازي، وهو ناشط حقوقي، يهتم بشؤون اللاجئين السوريين في تركيا، أن عدد الشبان المرحلين الذين تم توثيقهم يبلغ 152 شابا بشكل تقريبي.

ويقول الغازي لموقع "الحرة": "تم ترحيلهم بناء على حجج إدارية، كونهم لا يحملون بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك) الصادرة عن ولاية إسطنبول، بينما يتخذون منها مكانا للإقامة".

ويضيف الناشط الحقوقي: "هذه الحملة تذكرنا بالحملة الأخيرة التي شهدتها مدينة إسطنبول عقب انتخابات البلدية. في ذلك الوقت شهدنا ترحيلا مكثفا، شمل بعض الطلاب، بينهم أمجد طبلية".

وتعتبر إسطنبول المدينة التي تضم أكبر عدد من اللاجئين السوريين في البلاد، بمعدل 530 ألفا و234 سوريا في "وضع الحماية المؤقتة".

ويتبعها من حيث العدد مدينة غازي عنتاب، ومن ثم هاتي وولاية شانلي أورفة وأضنة.

ويرى حقوقيون أن إقامة اللاجئ السوري في ولاية إسطنبول وبينما يحمل بطاقة حماية مؤقتة صادرة عن ولاية أخرى يعتبراً مخالفا لقانون "الحماية المؤقتة" في تركيا، إلا أنهم يؤكدون أن ذلك لا يجب أن ينتهي بـ"قرار ترحيل".

وفي الوقت الحالي يسعى ناشطون سوريون، مع منظمات حقوقية تركية، للعمل على إعادة الشبان المرحلين إلى الداخل التركي.

وبحسب الناشط طه الغازي: "موضوع الإعادة ممكن. نحاول بهذا الصدد التنسيق مع الجهات المختصة والمنظمات الحقوقية".

ويتابع الناشط الحقوقي: "الأشخاص الذين تم ترحيلهم بدون إشكالية جنائية أو قضائية ستتم إعادتهم خلال الفترة المقبلة. نعمل على ذلك وفق أساس الحملة السابقة بعد انتخابات بلدية إسطنبول".

من جهته، يشير المنسق العام لطاولة الحلول، الطبيب مهدي داوود، إلى أنهم "يتابعون في الوقت الحالي موضوع إعادة الشبان مرة أخرى، خاصة أن قسم كبير منهم اتخذ قرار خاطئ بترحيلهم. هو قرار جائر".

ويقول داوود لموقع "الحرة": "سنستمر لتوقيف هذه القرارات، وإعادة الشبان إلى مكانهم الصحيح".

وتضم "طاولة الحلول" التي يشغل داوود منصب منسقها العام أكثر من 40 مؤسسة، كما تضم شخصيات من ناشطين، سواء إعلاميين وأكاديميين مهتمين بالعمل الإنساني، والعمل داخل سوريا.

ويتابع: "إجراءات الترحيل برأيي ترتبط بموظفين يتبعون لجهات سياسية تحاول الضغط على المجتمع السوري في البلاد".

ولم يصدر أي تعليق من جانب السلطات التركية بشأن ترحيل الشبان السوريين حتى اللحظة.

 بدوره قال الصحفي التركي المقرب من الحكومة، جلال ديمير إن "ترحيل بعض الشباب إلى شمال سوريا لأنهم ليسوا مقيمين فى الولاية المسجلة فيها أمر غير عادل وغير مقبول".

ويضيف ديمير: "أتمنى أن يحل الأمر في أقرب وقت، ويرجع جميع هؤلاء الأشخاص إلى عائلتهم وأولادهم"، مشيرا إلى تحركات تعمل عليها "اللجنة السورية – التركية"، منذ اللحظة الأولى.

وكان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو قد قال في أغسطس 2021 إن "اللاجئين السوريين في تركيا هم تحت الحماية المؤقتة وإخوة للشعب التركي، ولا حديث عن ترحيلهم إلى مناطق الصراعات في سوريا".

وأضاف صويلو في تصريحات متلفزة أنه "لا مجال لكراهية الأجانب في تركيا"، مشيرا: "الغرب والمعارضة يحاولون تصوير الأمر على أن هناك معاداة للسوريين والأجانب في تركيا، وهو أمر غير صحيح. الذئب يحب الأجواء المليئة بالضباب".

لكن، وفي وقت سابق من عام 2019 اتهمت منظمة "هيومان رايتس ووتش" السلطات التركية في إسطنبول وأنطاكية باحتجاز وترحيل عشرات السوريين قسرا إلى شمال سوريا، بين يناير وسبتمبر من العام المذكور.

واستعرضت المنظمة قصصا لسوريين مرحلين، وقالوا إن "موظفين أتراك أجبروهم على توقيع استمارات لم يسمح لهم بقراءتها، وفي بعض الأحيان بعد تعرضهم للضرب والتهديد، ثم نقلوهم إلى سوريا".

وتشير تصريحات معظم من تحدث إليهم موقع "الحرة"، من الشبان السوريين المرحلين، إلى أن الإجراء الذي اتخذ بحقهم يرتبط بأنهم "ليسوا مقيمين فى الولاية المسجلة".

 

وذلك ما تحدث عنه الشاب حازم الشيخ بقوله إن السلطات التركية أوقفته في منطقة مارتر بمدينة إسطنبول، كونه يحمل بطاقة حماية مؤقتة صادرة عن ولاية سكاريا.

ويضيف الشيخ لموقع "الحرة": "بقيت في سجن توزلا عشرة أيام، ومن ثم تم ترحيلنا إلى منطقة كلس، وبعد ذلك وصولا إلى ريف حلب في الشمال السوري".

ويوضح المحامي والقانوني السوري، غزوان قرنفل أن هذه الإجراءات "بالتأكيد تجعل السوريين في تركيا يشعرون بالقلق، خاصة أولئك الذين يحملون بطاقة الحماية المؤقتة. هذا الوضع لا يمنح اللاجئ طمأنينة. هناك شعور بعدم الاستقرار".

ويعتقد قرنفل في حديثه لموقع "الحرة" أن القوى الأمنية التي تقوم بهذه الحملات "هي تنفذ أوامر حكومية"، متحدثا عن عدة أسباب للترحيل، لكن وعلى الرغم من اختلافها إلا أن نتائجها "كارثية"، بحسب تعبيره.

ومن بين الأسباب مخالفة بعض اللاجئين للقرارات المتعلقة بقانون "الحماية المؤقتة"، مثل عدم تثبيت مكان الإقامة، فضلا عن التنقل بين الولايات والإقامة فيها دون الحصول على "إذن سفر"، إضافة إلى الإقامة في ولاية غير مسجلين فيها.

ويضيف المحامي السوري: "هناك أخطاء كارثية يرتكبها السوريين نتيجة جهل أو لا مبالاة. اللامبالاة تسفر عن تفكك أسر بكاملها. ومع ذلك لا يجوز ترحيل الأشخاص إلى الداخل السوري. الترحيل سيكون إلى الجحيم".

وتلزم المواثيق الدولية تركيا بعدم ترحيل طالب اللجوء"، وبحسب قرنفل: "يمكن معاقبته أو إعطاءه مهلة أو غير ذلك وليس الترحيل التعسفي!".

 

واختتم حديثه: "ما لم يعاد النظر بإعادة تكييف وضع السوريين القانوني في تركيا سيبقى هؤلاء عرضة لحملات متجددة في عملية ترحيلهم إلى شمال سوريا".

وفي حديث سابق لموقع "الحرة" أوضح المحامي عمار عز الدين مدير مكتب "رابطة المحامين السوريين الأحرار" في هاتاي أنه يجب التفريق بين "الحماية الدولية للاجئين والحماية المؤقتة".

وقال عز الدين: "الفارق الجوهري يكمن في أن الأساس القانوني للحماية الدولية هو حق اللجوء، أحد حقوق الإنسان الأساسية".

أما "الحماية المؤقتة" فأساسها القانوني، بحسب المحامي السوري، "لا يتعدى كونه قرارا أو قانونا مؤقتا سنّ ليحكم حالة طارئة أو استثنائية تتعلق بفئات محددة من الأجانب".

وتوجب اللائحة التنفيذية للمادة 91 من قانون الأجانب والحماية الدولية رقم 6883 لعام 2014 على اللاجئين السوريين الالتزام بالقوانين السارية في تركيا "من أجل عدم تعرضهم للعقوبات القضائية والإدارية، بما في ذلك ضرورة التزامهم فيما يتعلق بأماكن إقامتهم المحددة في الولايات التركية، أو بأماكن إقامتهم داخل مراكز إيواء اللاجئين".

وتؤكد اللائحة أيضا على "ضرورة الالتزام بإعلام السلطات المختصة بما يطرأ من تغييرات على عنوان الإقامة أو وثیقة الحمایة المؤقتة أو الأحوال المدنیة، من زواج، أو طلاق أو ولادات، أو أي تغیيرات أخرى من ناحیة الوصول إلى سوق العمل، وذلك ضمن نطاق القانون وفق الأنظمة المنصوص علیھا للعمل في تركیا، مثل استخراج تصاریح العمل".

المصدر : الحرة

×