السوريون في تركيا أمام مرحلة حساسة.. ورقة وزاوية دفاع
إسطنبول-اقتصاد تركيا
"عندما يتحدث 7 سياسيين في تركيا عن السوريين في يوم واحد وبفارق ساعات بسيطة فاعلم أن الملف بات في قائمة الترند الانتخابي. ما نعيشه اليوم ليس كما في الأمس. نحن على أبواب مرحلة حساسة جدا، والجميع يترقب لتفاصيلها التي تتسرب شيئا فشيئا".
كلماتٌ قالها الشاب السوري "سليم بركة" المقيم في إسطنبول في حديث لموقع "الحرة"، بعدما شهدت الساعات الماضية سلسلة تطورات سياسية لافتة استهدفت وضع السوريين في البلاد بالتحديد.
وقرأ مراقبون هذه التحركات أنها ستفرض متغيرات جديدة لاحقا، لاسيما أنها ترتبط في معظمها بتحركات أحزاب المعارضة من جهة و"العدالة والتنمية" الحاكم وحليفه "الحركة القومية" من جهة أخرى، استعدادا للاستحقاق الذي ينتظره الكثيرون.
وكانت حدة التصريحات والمواقف الصادرة من مسؤولين ورؤساء أحزاب قد تصاعدت الثلاثاء بخصوص السوريين على نحو لافت، ولم يسبق وأن تمت ملاحظتها بهذا الشكل.
وتردد اسم السوريين على لسان كل من الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان وزعيم "حزب الشعب الجمهوري"، كمال كلشدار أوغلو وزعيم "حزب الحركة القومية"، دولت باهشتلي.
إضافة إلى وزير الداخلية سليمان صويلو وزعيم "حزب المستقبل"، أحمد داوود أوغلو وزعيم "حزب النصر"، أوميت أوزداغ.
ويوضح الشاب بركة أن "ما حصل ينزع أي شعور بالاستقرار. نسبة كبيرة من السوريين هنا وخاصة أصحاب الكمالك (بطاقات الحماية المؤقتة) لم تعد تخطط لشيء في المستقبل. يترقبون بقلق ما تخبئه الأشهر المقبلة، والمتبقية لموعد تنظيم الانتخابات الرئاسية".
"قرارات تقييدية"
وقبل يومين علّق "حزب الشعب الجمهوري" على مبناه في أنقرة لافتة حملت عنوان: "إما أن تقدم جوابا أو تقدم حسابا".
واحتوت اللافتة أربعة أسئلة: "هل طلبتم من اللاجئين إثبات معلومات هويتهم الحقيقية؟ ولماذا توزعون الجنسية عليهم ولأي شيء تستعدون؟ وهل تقومون بعمل مسح أمني عند منح الجنسية للاجئين؟ ولماذا تسمحون بعبور غير نظامي للاجئين بظل معرفتكم من الحدود؟".
وقال زعيم الحزب، كمال كلشدار أوغلو عبر "تويتر" الثلاثاء: "لا زلت أنتظر من القصر وشركائه أجوبة. قلت سابقا وأقولها الآن. مسألة اللاجئين في حكمنا سيتم حلها خلال عامين".
وذلك ما دفع زعيم "الحركة القومية" دولت باهشتلي للتصريح برد، أثار جزء منه مخاوف سوريين كونه خرج من لسان الحليف الرئيسي لإردوغان.
وقال باهشتلي: "لا داعي لعودة اللاجئين السوريين الذين يذهبون لقضاء إجازة العيد في سوريا"، مضيفا: "هدفنا الأساسي هو توديع اللاجئين السوريين، بعد القضاء على الظروف القاسية التي دفعتهم إلى المغادرة، والانفصال عن بلادهم".
وكان من المقرر أن يُسمح لشريحة معينة من السوريين في تركيا بالدخول إلى سوريا، ضمن ما يعرف بـ"إجازات عيد الفطر".
لكن الأمر سادت حوله الكثير من الإشكاليات في الساعات الماضية.
وهذه الإشكاليات اتضحت بعد التحذير الذي أطلقه باهشتلي، ومن ثم عقب تصريحات فورية لوزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، حيث تحدث عن وجود قيود بعدم السماح للسوريين بالذهاب إلى بلادهم لقضاء عطلة العيد.
من جهتها أكدت "اللجنة السورية التركية المشتركة"، الأربعاء، أنها تبلغت من إدارة الهجرة التركية أنه لن يكون هناك إجازات في عيد الفطر لهذا العام.
وبينما يرى البعض أن دخول السوري المقيم في تركيا إلى شمال سوريا خلال العيد يثير استفزاز كثيرين من الأتراك، ويزيد من حالة التحريض القائمة، يرفض آخرون هذه الفكرة في المقابل.
وكانت تركيا قد شهدت العام الماضي حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أطلقها ناشطون أتراك وشخصيات من أحزاب المعارضة، بعدما فتحت تركيا الإجازات المذكورة أمام السوريين.
وانطلقت فكرة أصحاب الحملة من نقطة أن "السوري الذي يستطيع الدخول إلى بلاده لأسابيع وأشهر يمكنه البقاء هناك، وبالتالي لا يوجد أي شيء سيعرض حياته للخطر".
"خاصرة رخوة"
يتجاوز عدد السوريين المقيمين في تركيا، سواء "لاجئين" أو "سياح" أكثر من أربعة ملايين شخص، ويتركز العدد الأكبر منهم في ولاية إسطنبول، لتتبعها ولاية شانلي أورفة الحدودية، وولايتي غازي عنتاب وهاتاي.
ويرى مراقبون أن المشهد الحالي يندرج ضمن خانة "المناكفات السياسية" التي تدخل بها أحزاب المعارضة مع الحكومة التركية و"حزب العدالة والتنمية" الحاكم.
ويحمّل الباحث السياسي التركي، هشام جوناي الحكومة التركية المسؤولية حول النقطة التي وصل إليها ملف اللاجئين السوريين في البلاد في الوقت الحالي.
ويقول لموقع "الحرة": "هناك ضبابية وعدم شفافية في التعامل مع ملف اللسوريين من جانب الحكومة منذ البداية. هي أخفت الأرقام الحقيقة لأعدادهم ولم تكن هناك شفافية من جانبها بخصوص المبالغ التي صرفت".
ويضيف جوناي: "الموضوع شائك جدا. منذ عشر سنوات أعطلت تركيا للسوريين الحماية المؤقتة. هذه الكلمة تعني أنهم سيعودون".
ويوضح الباحث: "الشارع التركي ظن أن الأمر استضافة مؤقتة، لكن عندما وصل الأمر للتجنيس بدأت الأحزاب القومية بالتحرك، سواء المعارضة أو الحليفة للحزب الحاكم، كالحركة القومية".
و"عدم التعامل مع اللاجئين بشكل شفاف ومعلن جعل الحكومة الآن تعاني من تساؤلات في الشارع التركي".
واعتبر جوناي أن "اللاجئين السوريين هم خاصرة الحكومة الرخوة التي تلعب عليها أحزاب المعارضة الآن".
"ورقة وزاوية دفاع"
في غضون ذلك يؤكد الأكاديمي والباحث السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو أن ملف السوريين "أصبح ورقة تستخدم من قبل أحزاب المعارضة" بالفعل، وبالتالي هذا الأمر "يجعل الحكومة في زاوية دفاع".
ويقول حافظ أوغلو لموقع "الحرة": "الوضع الداخلي التركي بالفعل في موقف صعب جدا جدا. الانتخابات المقبلة لا تشبه الماضية. هي مفصلية وتاريخية وحساباتها معقدة".
"ودائما ما تستغل المعارضة التركية ورقه اللاجئين، وتصرف وتعامل الحكومه التركية معهم".
ويضيف الباحث: "بناء عليه نحن أمام عام سوف نشهد الكثير من القرارات، والكثير من الأمور التي سوف تنعكس على الوجود السوريين في تركيا".
وذلك لا يعني أن الحكومة التركية سترسل السوريين إلى تركيا، لكن ستصدر الكثير من القرارات "بحيث لا تستطيع المعارضة استغلال هذه الورقة نهائيا".
ويتابع الأكاديمي التركي: "المرحلة حساسة بالفعل. بعد القرارات الجديدة سيكون هناك نظام جديد لوجود السوريين، وحتى لكل اللاجئين الذين سوف يأتون لاحقا".
"العودة على الأجندة"
رغم تضارب رؤية وأفكار كل طرف سياسي في تركيا بشأن ملف السوريين، إلا أن ما يجمعهم هو حديثهم المتكرر عن "عودتهم".
وقال إردوغان في تصريحين منفصلين الثلاثاء والأربعاء: "عندما يتم إنشاء بيئة مريحة فإن اللاجئين سيعودوا إلى بلدهم طواعية".
وأضاف: "مع استكمال بناء المنازل المؤقتة المبنية من الطوب في سوريا سنضمن عودة اللاجئين".
لكن في المقابل قال أحمد داوود أوغلو زعيم "حزب المستقبل": "إن القول سنرسل لاجئين دون تهيئة الظروف الملائمة لعودة اللاجئين قد يبدو كلاما جيدا، لكنه ليس واقعيا".
وأضاف الثلاثاء: "أولا وقبل كل شيء، نحتاج إلى بذل جهد لجلب السلام في سوريا. هذه المهمة يحددها قرار مجلس الامن الدولي. وسيتحقق".
عدا عن ذلك كان هناك من غرد خارج السرب، وبينما أكد زعيم "حزب النصر"، أوميت أوزداغ على فكرته في إعادة السوريين، أعلن إطلاق مباحثات مع "وزارة الخارجية السورية لبحث هذا الأمر".
ويشير مراقبون أتراك إلى أن تطرق السياسيين بكثرة لملف السوريين يتعلق بكونه "يحظى بشعبية كبيرة في الوقت الحالي"، وبالتالي يجب تكرار خطاب الإعادة هذا.
في المقابل حذّر سوريون من تداعيات ما يحصل، وخاصة على الحالة النفسية لأكثر من ثلاثة ملايين سوري.
وكتبت الأكاديمية السورية، رهف الدغلي عبر "تويتر": "مايتم تداوله في الميديا التركية من تهديد ب‘عادة السوريين يصلح أن يطلق عليه تهديد في الأمن الوجودي والنفسي".
وأضافت: "حتى وإن لم يتم تنفيذ أيا منها فإن تكرارها بمناسبات موسمية مسيسة مع تخلل زرع في الذهنية مكرمات (القائم بالتهديد) تقزم و تكاد تلغي صفة الذات الإنسانية عن أي سوري".
وقال الباحث السوري، أحمد أبا زيد: "في موضوع السوريين في تركيا، يمكن لحزب معارض أو شخص عنصري أو حتى مجهول إطلاق هاشتاغ على تويتر ليصبح في اليوم التالي قرارات حكومية".
وأضاف أن "تويتر هو المتحكم الأول بمصائر اللاجئين".
وكان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو قد قال، في 24 فبراير الماضي، إن دراسة استقصائية أجريت على المهاجرين السوريين أظهرت أن 3.1 في المئة منهم لا يخططون للعودة إلى بلادهم، بينما قال 13.7 في المئة إنهم سيعودون إذا انتهت الحرب وبغض النظر عن النظام الذي يحكم البلاد.
وقال 28.2 في المئة إنهم سيفعلون ذلك فقط (العودة) إذا انتهت الحرب وكان النظام الذي سيدعمونه في السلطة، فيما أشار 4.1 في المئة إلى أنهم سيعودون إلى سوريا حتى لو استمرت الحرب.
وبعد ذلك بأيام قال نائبه، إسماعيل تشاتكلي: "لن نمنح وضع الحماية المؤقتة بشكل مباشر للسوريين غير المسجلين من الوافدين حديثا، من الآن فصاعدا، وسنأخذهم إلى المخيمات ونحقق معهم في المخيمات" عن أسباب لجوئهم.
المصدر: الحرة