هل تبيع تركيا طائرات "بيرقدار" و"أتاك" إلى العراق؟
إسطنبول-اقتصاد تركيا والعالم
قبل أيام، كشف وزير الدفاع العراقي عن أن بلاده طلبت من تركيا عروضاً لشراء أسلحة ومعدات عسكرية منها طائرات بيرقدار المسيرة وطائرات “أتاك” المروحية وأسلحة أخرى، وذلك في ظل مباحثات واسعة بين البلدين حول التعاون الاقتصادي والعسكري وملفات المياه ومكافحة الإرهاب، وتكهنات بزيارة مرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد.
وقال وزير الدفاع العراقي جمعة عناد في مقابلة مع قناة عراقية محلية، إن وزارته في انتظار عروض من تركيا بشأن شراء طائرات مُسيَّرة وأنظمة دفاعية، لافتاً إلى أن مُسيّرات (بيرقدار) التركية دقيقة جداً ومتطورة وحققت نجاحات كبيرة في العديد من الدول مثل سوريا وأذربيجان وليبيا. وأعرب عناد عن رغبته بامتلاك العديد من القدرات القتالية التركية.
وأوضح الوزير العراقي الذي زار معرض الصناعات الدفاعية الذي عقد في إسطنبول نهاية الشهر الماضي أنه طلب عروضاً من تركيا تشمل شراء طائرات مسيرة (بيرقدار تي بي 2) ومروحيات (أتاك 1) وأنظمة مضادة للطائرات من دون طيار.
وأشار إلى أنه التقى نظيره التركي خلوصي أكار، وطلب منه أن “تحضّر تركيا عروضاً للعراق من أجل طائرات (بيرقدار تي بي 2)، و12 مروحية من طراز (أتاك 1) و6 أنظمة مضادة للطائرات من دون طيار”.
في السنوات الأخيرة، شهدت تركيا ثورة كبيرة في عالم الصناعات الدفاعية وعقب نجاحها في تطوير العديد من الأسلحة والأنظمة الدفاعية والطائرات المروحية والمسيرة، بدأت تنافس كبار مصدري الأسلحة حول العالم وحققت أرقام صادرات بمليارات الدولات وسط مساعي لتعزيز النفوذ السياسي والعسكري حول العالم لحصد نتائج استراتيجية على المدى البعيد.
ومن بين هذه الأسلحة والأنظمة برزت طائرات بيرقدار المسيرة التي لجأت العديد من الدول حول العالم لامتلاكها ومنها قطر وليبيا وأذربيجان وصولاً إلى أوكرانيا وبولندا ولاتفيا، في حين يؤكد سلجوق بيرقدار المدير الفني لشركة بايكار المصنعة للطائرة إن 10 دول تنتظر حصولها على الطائرة التي طلب العراق عروضاً من تركيا للحصول عليها بعد الأداء العسكري الكبير الذي قدمته في الكثير من ساحات الحرب.
وعلى الرغم من الانفتاح التركي الكبير على بيع الأسلحة وترويجها لتحقيق مكاسب اقتصادية، إلا أن الرئيس التركي أكد في كلمة له قبل أيام، أن بلاده لا تصدر الأسلحة فقط لأهداف اقتصادية ومقابل المال فقط، معتبراً أن تركيا تعطي أولوية لـ”الحلفاء والأصدقاء” في مبيعات الأسلحة.
وفي الحالة العراقية، وعلى الرغم من العلاقات “الجيدة” بين البلدين بشكل عام وقنوات الاتصال المتقدمة بين أردوغان ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، إلا أن هناك خلافات متجددة بين البلدين تتركز حول ملف المياه ومكافحة الإرهاب والنفوذ الكبير للمليشيات العراقية التي تتهمها أوساط تركية مؤخراً بأنها مسؤولة عن هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على قواعد تابعة للجيش التركي في شمالي العراق.
وفي هذا الإطار، تحدثت مصادر تركية -غير رسمية- عن أن المستويين السياسي والعسكري لم يتخذا قراراً بعد بالموافقة على بيع العراق أسلحة متقدمة، حيث تجري تقييمات على أصعدة مختلفة تركز على المكاسب والخسائر التي يمكن أن ترافق هكذا صفقة، حيث تتركز التخوفات حول النفوذ الإيراني الكبير في الجيش العراقي ونفوذ المليشيات الشيعية المدعومة من إيران أيضاً في الجيش والبلاد بشكل عام.
وتخشى أوساط تركية من أن إيران ستكون قادرة على الوصول إلى تكنولوجيا الأسلحة التركية وخاصة مسيرة بيرقدار إذا امتلكها الجيش العراقي، حيث يُعتقد أن طهران قادرة على الوصول إلى الكثير من تفاصيل الجيش عبر القيادات العسكرية التي تدين لها بالولاء وتعاونت معها طوال السنوات الماضية.
هذه المخاوف تنطبق أيضاً على المليشيات التي ما زالت تتمتع بقوة كبيرة في التركيبة العسكرية بالعراق لا سيما مليشيا الحشد الشعبي المقربة من إيران، والتي تتخذ مواقف عدائية من تركيا، واتهمت مؤخراً بأن جماعات تابعة لها مسؤولة عن هجمات بالصواريخ والمسيرات الانتحارية البدائية على قواعد تابعة للجيش التركي في شمالي العراق.
وكتب معلقون أتراك: “بيع مسيرات بيرقدار للجيش العراقي يعني وصول تقنيتها لإيران وإمكانية استخدامها ضد تركيا من ميليشياتها”.
ومؤخراً، استهدفت تركيا قيادي وعناصر في جناح عسكري تابع للحشد الشعبي متهم بتنفيذ الهجمات ضد القوات التركية بالعراق، وفي الأشهر الأخيرة نجحت مسيرات بيرقدار التركية في تغيير مسار الحرب مع العمال الكردستاني شمالي العراق بعدما نجح الجيش والاستخبارات التركية من اغتيال عدد كبير من قيادات التنظيم البارزة بعمليات استهداف مركزة، وهو ما يجعل لمسيرات بيرقدار أهمية خاصة تتعلق بالعراق، حيث تركز تركيا حربها على مركز قيادة العمال الكردستاني هناك، وتنفذ ضربات جوية مركزة وصلت مؤخراً إلى عمق 300 كيلومتر داخل أراضي العراق.
وتعتبر العمليات العسكرية التركية في شمال العراق من أبرز ملفات الخلاف بين البلدين وهي ما تهدد بتفجير العلاقات في أي وقت، حيث تكثف أنقرة عملياتها البرية والجوية شمالي العراق، فيما تعتبره الحكومة انتهاكاً للسيادة العراقية، وتهدد مليشيات عراقية بالرد على “الخروقات التركية” وبدأت مؤخراً بشن هجمات على القواعد التركية حيث تطالب بسحب القوات التركية من العراق.
وخلال ندوة حوارية في “ملتقى مركز الرافدين” للحوار ببغداد قبل أيام، قال وزير الدفاع العراقي إن “تركيا تستغل أوضاع العراق، ونحن لا نحرك ساكنا”، مضيفاً: “لا أريد أن أمجّد بصدام، لكن لو كان وضع العراق طبيعيا، لما تمكن أي أحد من الدخول مترا واحدا”.
وتابع: “الدول تستغل وضعنا الحالي وتأخذ حقوقها على حسابنا.. في البدء علينا إخراج حزب العمال الكردستاني من شمال العراق ومن ثم يكون بعدها لكل حادث حديث”.
والسبت، بحث مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي مع السفير التركي في بغداد علي رضا غوناني، “المستجدات السياسية والأمنية في المنطقة، وتعزيز التعاون المشترك في جميع المجالات بين البلدين”، وأوضح بيان عراقي أن الأعرجي أعرب عن أمله في أن “تشهد المرحلة الراهنة المزيد من التعاون المشترك، بما يخدم مصلحة البلدين والشعبين الجارين”.
من جانبه، كشف السفير التركي عن أن “الرئيس التركي يعتزم القيام بزيارة خاصة إلى العراق” دون أن يحدد موعدها، لافتا إلى أن “استقرار العراق هو استقرار للمنطقة أيضا”.
في سياق متصل، أعرب وزير الموارد المائية العراقي، مهدي رشيد الحمداني، عن رغبة بلاده في التوصل إلى تفاهمات مع تركيا بشأن ملف مياه الأنهار المشتركة بين الجانبين، وذلك خلال لقائه السفير التركي ببغداد حيث جرى بحث “ملف المياه المشتركة بين البلدين وكيفية إيجاد الحلول السريعة والناجعة لها، واستمرار التعاون والتواصل بما يحقق مصلحة البلدين”. بدوره أبدى السفير التركي “استعداد بلاده لحل مشاكل المياه ومراعاة احتياجات العراق، وتطوير العلاقات المائية، كونها الوسيلة الأساسية لتطوير العلاقات بين البلدين في المجالات الأخرى كافة”.
وتشير الاتصالات الواسعة بين الجانبين على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتكهنات حول زيارة قريبة لأردوغان إلى بغداد إلى رغبة مشتركة في تطوير العلاقات بين الجانبين، وهو ما قدر يمهد الطريق أمام إتمام صفقة الأسلحة التي يجري الحديث عنها لا سيما في حال نجاح الجانبين بالتوصل إلى صيغة متقدمة لاستراتيجية القضاء على تنظيم العمال الكردستاني في شمال العراق وهي أولوية تركية كبيرة ستقودها لتسهيل صفقة الأسلحة لبغداد لو تعاون الأخيرة في القضاء على التنظيم هناك.
المصدر: القدس العربي