المصالحة التركية العربية.. سريعة مع الإمارات وبطيئة مع مصر وصعبة مع السعودية

شهدت مساعي تحسين العلاقات بين تركيا والإمارات تقدماً سريعاً فاجئ الجميع

شهدت مساعي تحسين العلاقات بين تركيا والإمارات تقدماً سريعاً فاجئ الجميع

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

أنقرة – اقتصاد تركيا والعالم

تتواصل منذ أشهر مساعي تحسين العلاقات بين تركيا وعدد من الدول العربية بعد سنوات من الجفاء والخلافات التي وصلت مراحل متقدمة ولامست خطر المواجهة العسكرية قبل أن تدفع حزمة كبيرة من التطورات المحلية والإقليمية والدولية جميع الأطراف لتحييد الخلافات والتعاون في ملفات الاتفاق لمواجهة التحديات المتعاظمة التي تمر بها المنطقة والعالم بشكل عام.

وعلى عكس المتوقع، وبينما شهدت مساعي تحسين العلاقات بين تركيا والإمارات تقدماً سريعاً فاجئ الجميع، تتقدم مساعي تحسين العلاقات بين تركيا ومصر بشكل إيجابي ولكن بطيء وحذر، في حين ما زالت هذه المساعي بين تركيا والسعودية تراوح مكانها وسط تقدم طفيف وصعوبات كبيرة يواجهها الجانبان في تجاوز آثار سنوات من الخلافات.

وتعتبر الصعوبات الاقتصادية التي عصفت بدول المنطقة والعالم بشكل عام بسبب انتشار جائحة كورونا من أبرز الأسباب التي دفعت الكثير من الدول للتغاضي عن الخلافات السياسية والبحث عن تحييدها إن تعذر حلها من أجل تحقيق مكاسب تساعد في تخفيف الأعباء الاقتصادية التي باتت تهدد استمرار الكثير من الحكومات.

 ومن أبرز الأسباب السياسية وصول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض ورحيل سلفه دونالد ترمب الذي غذى الخلافات السياسية في المنطقة، إلى جانب الانعكاسات الإيجابية للمصالحة الخليجية، وتراجع حدة الكثير من الخلافات العميقة بالمنطقة بعد موجة الربيع العربي التي ولدت خلافات عميقة كادت أن تقود تركيا وبعض الدول العربية حد الصدام العسكري في ساحات مختلفة منها ليبيا وشرق المتوسط.

وكما كانت تركيا تصنف على أنها أكبر داعم للثورات والمعارضات العربية، صنفت الإمارات على أنها الداعم الأول للثورات المضادة والأنظمة العربية السابقة، لكن المفاجأة كانت في أن مساعي تحسين العلاقات بين تركيا والإمارات كانت الأسرع والأكثر إيجابية حتى اليوم.

فعقب أشهر من الرسائل بين البلدين وربما الاتصالات السرية التي لم يعلن عنها، جرى لقاء مباشر بين الرئيس رجب طيب اردوغان ومستشار الأمن القومي الإمارات طحنون بن زايد في أنقرة، قبل اتصال هاتفي بين اردوغان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، واتصالات أخرى على مستوى وزراء خارجية البلدين ومسؤولين آخرين، وسط تأكيدات على دخول العلاقات بين البلدين حقبة جديدة.

وأجمعت سلسلة بيانات من الجانبين على أن الاتصالات كانت «ودية وإيجابية» وأن الجانبين اتفقا على تطوير العلاقات بين البلدين وطي صفحة الخلافات، وجرى التركيز على التعاون الاقتصادي ونية الإمارات القيام باستثمارات كبيرة في تركيا قبل أن تبدأ تتكشف عن مشاريع إماراتية حقيقية للاستثمارات في تركيا كان أحدثها نية شركة إماراتية الاستحواذ على شركة إم أن جي للكارجو التركية مقابل مبلغ قد يصل إلى 500 مليون دولار.

وفي أحدث تقييم له للعلاقات مع الإمارات، يقول وزير الخارجية التركي مولود جاوش اوغلو: «بالعلاقات الدولية لا يوجد صداقة أو عداء دائم، هذا لا يعني عدم وجود مبادئ. في حال الاقدام على خطوات متبادلة يمكن إعادة تطبيع العلاقات (مع الإمارات) أجريت لقاءات متبادلة وبالنتيجة هناك زخم ايجابي، إذا استمرت الأمور بهذا الاتجاه ستعود العلاقات لمسارها".

وعلى الجانب المصري، ورغم الزخم الإيجابي المشابه إلا أن التقدم يظهر التروي والحذر من الجانبين بدرجة أعلى بكثير، حيث احتاج البلدان لأشهر طويلة من التلميحات والاشارات الإيجابية لبدء عقد «مباحثات استكشافية» وهي درجة متدنية من الحوار الدبلوماسي بين الدول تهدف إلى استكشاف مدى إمكانية إعادة تأسيس العلاقات بين الجانبين.

وبعد أسابيع طويلة من جلسة مباحثات استكشافية وصفت بـ»الإيجابية» عقدت في القاهرة، جرى عقد الجولة الثانية من المباحثات الاستكشافية في أنقرة، ليؤكد بيان مشترك جديد أنه «جرى بحث العلاقات الثنائية وملفات إقليمية تتعلق بفلسطين وليبيا والعراق وسوريا وشرق المتوسط، وأن الجانبين جددا رغبتهما في اتخاذ خطوات إضافية من شأنها تعزيز مساعي تطبيع العلاقات واتفقا على مواصلة المشاورات».

وعلى الرغم من العبارات الإيجابية التي تضمنها البيان، إلا أنه أظهر مجدداً أن التروي ما زال سيد الموقف وأن لا خطوات سريعة على طريق إعادة تطبيع العلاقات، كما أن الجانبين لم ينجحا حتى اليوم في الانتقال للخطوة المقبلة المتمثلة في إجراء لقاء مباشر وعلني بين وزيري خارجية البلدين وهي الخطوة المتوقع أن تمهد لإعادة تعيين السفراء لأول مرة منذ سحبهم من القاهرة وأنقرة عقب الخلافات التي تفجرت على خلفية الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي.

وفي هذا الإطار، يقول وزير الخارجية التركي: «وفد تركي زار القاهرة (سابقاً) ووفد مصري يجري مباحثات (مع المسؤولين الأتراك بأنقرة).

في المراحل المقبلة يمكن أن يجري تبادل تعيين السفراء، لو تريد مصر، يمكن أن نبدأ مباحثات لترسيم الحدود البحرية. هذا أمر ممكن ولا بد منه ومفيد لمصر.

في المقابل، حافظ وزير الخارجية المصري سامح شكري مصري على تصريحاته الأكثر تحفظاً من المسؤولين الأتراك، وقال في مقابلة مع بلومبرغ: «هذه هي المرحلة الثانية من المحادثات الاستكشافية بين مصر وتركيا، وهي تأتي بدعوة من الحكومة التركية، نحن حريصون على التوصل إلى قرار وإيجاد صيغة ضرورية لاستعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين».

واستدرك: «لكن في هذه المرحلة لا نزال بحاجة إلى تقييم نتائج المرحلة الثانية من المحادثات، وفي المقام الأول سياق العلاقات الثنائية. العلاقات الثنائية وبعض المواقف المتخذة من تركيا بحاجة إلى معالجة بشكل ما وعندما نكون راضين بأن هذه القضايا قد حُلّت فهذا سيفتح الباب أمام تقدّم أكبر».

أما على الجانب السعودي، فحتى اليوم لم تجر أي لقاءات أو اتصالات -علنية- على أي مستوى بهدف إعادة تحسين العلاقات بين البلدين، واكتفى البلدان بإطلاق بعض التصريحات الإيجابية التي تظهر رغبتهما في تحسين العلاقات بدون إخفاء حجم الخلافات.

وبينما انتفت كثير من أسباب الخلافات التي كانت عالقة بين تركيا ومصر والإمارات، ما زالت السعودية تتصدر عددا من ملفات الخلاف مع تركيا، كما أنها الوحيدة التي خاضت حملة مقاطعة اقتصادية كبيرة ضد تركيا على العكس من الإمارات ومصر اللتين تواصلت معهما التجارة بل وتوسعت طوال سنوات الخلاف بين الجانبين.

يقول وزير الخارجية التركي: «تستمر اللقاءات، كانت بناءة، يمكن أن تعود علاقاتنا مع السعودية إلى مسارها من جديد. من طرفنا لا توجد مشكلة لكنهم (السعوديون) يضخمون بعض المسائل ويتخذون مواقف سلبية ضد تركيا» وهو ما يشير إلى أن لا خطوات حقيقية بعد ولا نجاح يذكر في مساعي تفكيك عقد الخلاف بينهما.

المصدر : القدس العربي

×