هل ينجح أردوغان في تحدي الأشهر الـ17 الـمقبلة؟
أنقرة – اقتصاد تركيا
تمكنت الحكومة التركية من تثبيت سعر صرف الليرة التركية خلال الشهرين الماضيين، لكنها ومع ذلك تواجه في الوقت الحالي "عقبة" أخرى، تتمثل بارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، وهو ما تظهره بيانات حديثة نشرها "معهد الإحصاء التركي".
وتشير البيانات التي نشرت، الخميس، إلى أن أسعار الاستهلاك في تركيا ارتفعت بنسبة 48.69 بالمئة على أساس سنوي في يناير، في أعلى رقم يسجل منذ أبريل 2002، وهو العام الذي وصل فيه "حزب العدالة والتنمية" إلى حكم البلاد.
وفي الوقت الذي تتضارب الأسباب الرئيسية التي تقف وراء ارتفاع معدلات التضخم، يرى مراقبون أن الحكومة التركية ومع دخول العام الجديد باتت تواجه تحديا لضبط هذه المسألة، وذلك استعدادا منها للأشهر المتبقية على تنظيم الانتخابات الرئاسية.
وأصبح المسار الاقتصادي في تركيا أحد الركائز التي ستؤسس للانتخابات المقبلة، والتي ينظر إليها الجميع بعين الترقب، سواء من جانب الأوساط المقربة من الحزب الحاكم أو الأخرى المحسوبة على أحزاب المعارضة.
والاثنين حذّر الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان من أن الأتراك سيضطرون إلى "تحمل" عبء التضخم "لبعض الوقت بعد"، قائلا: "بعون الله دخلنا فترة يكون فيها كل شهر أفضل من السابق".
من جهته قال وزير الخزانة والمالية التركي، نور الدين نباتي في تصريحات لوكالة الأنباء اليابانية الخميس: "لا أعتقد أننا سنشهد تضخما بنسبة 50 بالمئة. آمل ألا أكون مخطئا".
وأضاف نباتي أنه لا يتوقع أيضا أي انخفاض إضافي في قيمة الليرة التركية، مشيرا إلى أن "تركيا ستواجه مشكلة تضخم مهمة، لكن دولا أخرى في العالم تعاني أيضا من نفس المشكلة".
وتابع الوزير التركي المؤيد لنظرية إردوغان الاقتصادية: "نتوقع أن يرتفع التضخم في يناير ويظل عند مستويات عالية لفترة زمنية معينة. نعتقد أن التضخم سيبدأ في الانتعاش في أشهر الصيف وأنه سينخفض بشكل حاد في ديسمبر".
وتحدث أيضا أن تركيا ستخوض انتخابات 2023 بتضخم في "خانة الآحاد"، وقال: "سيكون لدينا تضخم من رقم واحد حتى انتخابات يونيو 2023. نحتاج إلى 18 شهرا لتنفيذ هذا البرنامج ولدينا 17 شهرا حتى الانتخابات".
في غضون ذلك جاء تثبيت سعر صرف الليرة التركية في البلاد وما يقابله من ارتفاع معدلات التضخم عقب الخطة الاقتصادية المفاجئة التي أعلن عنها أردوغان، منتصف شهر ديسمبر الماضي.
وتتمثل الخطة بإطلاق أداة مالية جديدة تتيح تحقيق نفس مستوى الأرباح المحتملة للمدخرات بالعملات الأجنبية عبر إبقاء الأصول بالليرة، وبحسب ما ذكر إردوغان في 21 من ديسمبر الماضي فإن الأداة تعتبر "بديلا ماليا للمواطنين بتبديد مخاوفهم الناجمة عن ارتفاع أسعار الصرف".
وأضاف: "من الآن فصاعدا لن تبقى هناك حاجة لتحويل مواطنينا مدخراتهم من الليرة إلى العملات الأجنبية، خشية ارتفاع أسعار الصرف".
ويرفض الرئيس التركي أسعار الفائدة المرتفعة التي يعتبرها عبئا على النشاط الاقتصادي كما أنها تبطئ النمو، لكن البنوك المركزية ترفع معدلات الفائدة الرئيسية بدافع الضرورة عندما يخرج التضخم عن السيطرة.
وكتب الخبير الاقتصادي التركي أتيلا يشيلادا عبر موقع التواصل "تويتر"، الخميس، في إشارة منه إلى وزير الخزانة والمالية نور الدين نباتي: "ستبحث عن وظيفة قريبا". وهذه الكلمات ربطها مع ارتفاع معدلات التضخم.
فيما قال الخبير الاقتصادي، هاكان كارا: "الحمد لله، لقد تجاوزنا الأرجنتين في مؤشر البؤس حتى الآن".
أما الباحث والخبير الاقتصادي التركي، مصطفى سونماز فقد توقع عبر حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي أن يقفز معدل التضخم في البلاد إلى مستويات قياسية أكثر، خلال الأشهر المقبلة.
وارتفعت أسعار الاستهلاك في تركيا بنسبة 48,69 بالمئة على أساس سنوي في يناير في أعلى رقم يسجل منذ أبريل 2002 نجم عن انهيار الليرة التركية في 2021، حسب أرقام رسمية نشرت الخميس.
وقال: "مؤشر أسعار الاستهلاك الذي اقترب من 50 في المئة سنويا في يناير سيكون 60 في شهر فبراير، ولا ينبغي لأحد أن يتفاجأ إذا وصل إلى 70 بالمئة في شهر مارس".
ويوضح أستاذ الإدارة المالية في جامعة باشاك شهير، الدكتور فراس شعبو أن "التضخم الحقيقي لا يقاس بسعر الصرف، بل بمؤشر الأسعار"، مشيرا: "عند النزول على السوق في تركيا نلاحظ أن الأسعار تتغير بشكل خيالي على الرغم من ثبات سعر الصرف".
ويقول شعبو في تصريحات لموقع "الحرة": "الأسعار هي أعلى من سعر صرف الليرة".
وعلى الرغم من أن ارتفاع التضخم في تركيا يرتبط بأسباب داخلية، إلا أنه الأمر يسير أيضا بشكل متوازْ مع التضخم الحاصل عالميا، والذي ينعكس بصورة مباشرة على السوق التركي.
ويضيف الباحث الاقتصادي: "الخطة الاقتصادية التي وضعها الحكومة لم تؤت أوكلها بشكل منطقي. صحيح أن سعر الصرف تحسن لكن بقية الأوضاع لم تستقر حتى الآن. هناك موضوع سعر الفائدة ومخاوف انعكاسه على السوق".
وعلى نحو غير مسبوق في السياسة التي تسير فيها الحكومة كان البنك المركزي التركي قد أبقى في ديسمبر الماضي على سعر الفائدة الرئيسي من دون تغيير عند حد 14 بالمئة.
وجاء ذلك بعد تخفيض الفائدة على مدار الأشهر الأربعة الماضية بواقع نقطة مئوية شهريا.
وقال البنك، في بيانه آنذاك إنه سيراقب تأثير قراراته السابقة بشأن السياسة النقدية، وتوقع أن يبدأ انخفاض التضخم "قريبا"، بما يحقق استقرارا مستداما في الأسعار والأسواق.
كما أشار إلى أنه من المتوقع أن يحقق الحساب الجاري فائضا في العام الحالي، موضحا أن "استمرار التحسن في الميزان عامل مهم في تحقيق هدف استقرار الأسعار".
بدوره يؤكد شعبو على أن موضوع التضخم في تركيا "تكاملي".
ويوضح ذلك بالقول: "موضوع التضخم العالمي وسلاسل التوريد العالمية تؤثر، وأضف إليها مشكلة الليرة التركية والفعالية الاقتصادية للتدخلات الحكومية أو الأدوات التي تستخدمها. تحتاج وقت من خمسة إلى ستة أشهر ليتبين أين تتجه السوق".
وفي التاسع والعشرين من يناير الماضي كان أردوغان قد أقال رئيس هيئة الإحصاء الوطنيّة بموجب مرسوم صدر، بعد نشر الأرقام السنوية للتضخم، والتي بلغت عن شهر ديسمبر 2021 عند مستوى 36,1 بالمئة، وهو أعلى مستوى له منذ 19 عاما.
وبينما تقول المعارضة التركية إن أرقام التضخم المعلنة "أقل من الواقع"، مشيرةً إلى أنّ الزيادة الفعليّة في كلفة المعيشة أعلى مرّتين على الأقل، تنفي الحكومة التركية ذلك، وتؤكد عزمها تحسين الأرقام إلى مستويات أفضل.
ويرى الباحث المختص بالشأن التركي، محمود علوش أن المسؤولون الأتراك يعطون انطباعا بأن "الأمور تسير على ما يُرام".
ويوضح لموقع "الحرة" أنه وفي الآونة الأخيرة، حصل بعض التقدم على صعيد استقرار سعر الليرة بعد التقلبات الحادة"، مضيفا: "هذا مؤشر جيد، لكنّ المواطنين ينتظرون تأثير هذا الاستقرار على التضخم. لم ينعكس التأثير المأمول بعد".
ويراهن أردوغان على أن النتائج الإيجابية لخطته الاقتصادية ستبدأ بالظهور في الربع الثاني من العام الجاري، "لكنّ الظروف الاقتصادية العالمية لا تُساعده على نحو كبير".
وبحسب الباحث فإن "ارتفاع تكلفة الطاقة والسلع الأساسية الأخرى أدى إلى تضخم الزيادات في الأسعار لشهر يناير، وألقت بظلالها على توقعات التضخم على المدى المتوسط".
ويضع ارتفاع معدلات التضخم المصرف المركزي في موقف صعب، كما يزيد من الضغوط على الخطة الاقتصادية الجديدة.
ويشير علوش إلى أن "المضي في تخفيض أسعار الفائدة قد يُفاقم من التضخم. من غير الواضح ما إذا كان أردوغان مستعدا للتخلي عن سياسة خفض تكاليف الإقراض في ظل مشكلة التضخم".
وسبق وأن قال أردوغان خلال قمة تركية أفريقية في إسطنبول: "عاجلا أم آجلا، كما خفضنا التضخم إلى أربعة بالمئة عندما توليت السلطة (...) سنقوم بخفضه مرة أخرى".
والمرة الأخيرة التي سجل فيها معدل التضخم أربعة بالمئة كانت عام 2011، لكنه عاد الى الارتفاع بشكل مطرد منذ عام 2017.
في المقابل خفض البنك المركزي التركي بضغط من أردوغان سعر الفائدة الرئيسي 500 نقطة منذ سبتمبر الماضي.
وتحدث الباحث محمود علوش عما وصفه بـ"التناغم الكامل بين إردوغان، وكل من وزير المالية ومدير المصرف المركزي الحاليين، على عكس العلاقة مع القادة الماليين والاقتصاديين السابقين".
وأضاف: "لا يوجد ما يدعو إلى إحداث تغيير جديد. هذا سيُعطي انطباعا سلبيا للغاية بشأن الخطة الاقتصادية".
و"أحد أوجه الأزمة الاقتصادية التي تعانيها تركيا تكمن في عدم الاستقرار في القيادة الاقتصادية والمالية، إذ أنه وخلال العامين الأخيرين تم تغيير أكثر من حاكم للمصرف المركزي ووزيرين للمالية".
وبوجهة نظر الباحث فإن "أكثر ما يحتاجه أردوغان الآن هو منح الثقة للأسواق، وهذا لا يُمكن أن يتم من دون إحداث استقرار في القيادة".
في المقابل فإن أكثر ما يضغط عليه في خطته الاقتصادية "هو عامل الوقت".
وتابع الباحث: "كلما اقتربنا من انتخابات العام المقبل دون تحقيق انفراجة ما كلّما ضعفت فرص الرئيس للفوز. لا يملك أردوغان خيارا سوى فعل كل ما يُمكن فعله لإنجاز شيء ما".
المصدر : الحرة