كيف تعمل خطة أردوغان المالية لإنقاذ الليرة؟ وهل هي اختراع تركي؟
أنقرة-اقتصاد تركيا
بعدما عاش المواطنون الأتراك قلقا متزايدا إثر موجة الانهيارات التي أصابت عملتهم الوطنية، صعدت الليرة التركية بشكل مفاجئ وقوي وشهدت انتعاشا كبيرا، وبلغت 13 ليرة مقابل الدولار، وذلك في أعقاب تصريحات أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أداة مالية جديدة.
وقال أردوغان في مؤتمر صحفي عقب ترؤسه اجتماعا للحكومة في المجمع الرئاسي بأنقرة، مساء الإثنين، إن بلاده ستطلق أداة مالية جديدة تتيح تحقيق نفس مستوى الأرباح المحتملة للمدخرات بالعملات الأجنبية عبر إبقاء الأصول بالليرة.
وصعدت الليرة -التي كانت انخفضت في وقت سابق الاثنين بأكثر من 11% إلى حوالي 18.4 مقابل الدولار- بأكثر من 10% بعد إعلان أردوغان، وبلغ الدولار 12 ليرة، ثم انخفضت قليلا في اليوم التالي ووصل الدولار إلى 13.
وقال وزير المالية التركي نور الدين نباتي: "نحن مستمرون في السير على الطريق الذي رسمه نموذج الرئيس أردوغان بثقة أكبر بكثير من الأمس. لا تتركوا الشك يساوركم للحظة، مع النموذج التركي الجديد الذي يركز على الاستثمار والإنتاج والتوظيف سيكون الاقتصاد التركي هو الرابح".
وكان اتحاد البنوك التركية ذكر في بيان أنه تم تحويل مليار دولار إلى العملة التركية بعد تصريحات أردوغان، مما ساهم في ارتفاع الليرة.
استعادة الثقة
ومن إسطنبول، فسر الباحث الاقتصادي الدكتور أحمد مصبح الأداة المالية الجديدة بأنه سيتم تحديد سعر صرف طويل الأجل للشركات المصدرة عبر البنك المركزي بشكل مباشر وفي حال حدوث فروقات سيتم دفعها بالليرة للشركات المعنية.
وقال مصبح للجزيرة نت: "وفق هذا القرار وما يتضمنه من تحمل الحكومة لجزء كبير من مخاطر وخسائر الشركات بسبب تقلبات سعر الصرف؛ تم بيع كميات من الدولار من طرف الشركات والبنوك والقطاع الخاص لتعزيز الليرة، الأمر الذي أسهم في صعود كبير لليرة خلال ساعات".
وأكد على أنها خطوة من شأنها إعادة جزء من الثقة وتبديد التخوفات المستقبلية وتقليل مخاطر سعر الصرف، ولكن يبقى تخفيف وتيرة التصريحات أمرا ضروريا خلال الفترة القادمة، معتقدا أن اجتماع وزير المالية أمس مع جمعية البنوك التركية كان إيجابيا.
وأضاف مصبح "هناك موجات بيع كبير للدولار في محاولة لتحقيق هامش ربح من خلال قوة الليرة، لكن سهولة الانخفاض والارتفاع سوف يشكل خطرا على الاقتصاد في المرحلة القادمة، فإذا لم يكن هناك تدخلات تقيد عمليات المضاربات سوف تشهد الليرة اهتزازات أكبر صعودا وهبوطا.
ويأمل المواطنون بعدما ارتفعت الليرة بأن تنخفض أسعار البضائع التي ارتفعت حينما ارتفع الدولار، لكن اقتصاديين أكدوا أن كل شيء يتم إنتاجه وتصنيعه يحتاج إلى شهور ليعود سعره، أما السلع التجارية قد تشهد تحسنا بعد أسبوع.
من جهته، ذكر محمد إبراهيم الباحث الاقتصادي في جامعة إيجه للجزيرة نت أن الحكومة وفقا للأداة المالية الجديدة ستعمل على ضمان مخاطر سعر الصرف، أي أنه سيتم تحميل تبعات خفض الفائدة للموازنة الحكومية.
وقال "الحكومة تجازف كونها الآن تضخ الليرة وتشتري الدولار مرة أخرى بخسارة وبعد ذلك ستتحكم بسعر الصرف".
وأضاف "إعادة جزء من الثقة المفقودة للشارع بعد طمأنته بخصوص مدخراته بالعملة المحلية واقتراح التعويض ودفع الفروقات، تحسب للرئيس الذي يحاول إدارة الأزمة رغم عدم وجود عوامل مساعدة".
ولفت إبراهيم إلى أن الرئيس الآن يحاول فقط إدارة الأزمة وتحمل بعض آثارها، وهو يرى أن ذلك أقل ضررا عليه من الدخول في انكماش.
وأوضح أن الحكومة ستذهب إلى أبعد ما يمكن في الدفاع عن الليرة وستحاول ذلك بكل الطرق الممكنة واختراع أدوات جديدة من أجل ذلك بما سيسببه من ضغط على استدامة المالية العامة.
ويرى إبراهيم أن التنبؤ بسعر صرف الليرة في المدى القصير أصبح أصعب ما يكون نتيجة للتدخلات المباشر والتدخلات المعاكسة، علاوة على أن هذا سيُصعب علاج التضخم وسيبقيه لأمد أطول في ظل الاستمرار نحو سياسات توسعية.
وقال "الاقتصاد يحتاج للاستقرار، فربما حتى الانتخابات القادمة ستبقى الأمور على شكل الفعل ورادات الفعل بين الحكومة والأسواق ومحاولة المعارضة استغلال الأمر، فالمعارضة تريد توظيف التعثر وعدم الاستقرار الاقتصادي لصالحها بهدف زيادة نسبة التصويت لها، وعلى أمل أن ذلك يساعد مرشحها بالفوز في الانتخابات الرئاسية".
اختراع تركي
اعتبر خبراء أن الذي حدث مساء الإثنين من ارتفاع الليرة التركية خلال ساعتين فقط بنسبة 25% أمام الدولار، درس مهما في فن إدارة الدول، وخصوصا قرار الحكومة بتعويض المواطنين عن فرق سعر الصرف في حال إبقائهم مدخراتهم في البنوك بالليرة التركية.
وأكدوا أن هذا النموذج "اختراع تركي" وغير موجود في أي دولة في العالم، ولكنه -على الأقل حتى الآن- أعاد جزءا من ثقة الشارع في عملتهم المحلية بعدما تراجعت بصورة كبيرة بفعل تخفيض معدل الفائدة، وما سببته من أزمة اقتصادية أخيرة عصفت بالبلاد.
بينما ذكر اقتصاديون آخرون أن إجراءات الأداة المالية الجديدة أنتهجتها رئيسة الوزراء التركية السابقة تانسو تشيلر في تسعينيات القرن الماضي وأنها أفادت مؤقتا ورحلت الأزمة قليلا، ولكنها عادت بشكل أقسى لاحقا.
كيف تعمل الأداة المالية؟
كشفت وزارة الخزانة والمالية التركية تفاصيل الأداة التي تتيح للمودعين تحقيق نفس مستوى الأرباح المحتملة للمدخرات بالعملات الأجنبية عبر إبقاء الأصول بالليرة التركية.
وأوضحت -في بيان يوم الثلاثاء- أنه تم إطلاق آلية "وديعة الليرة التركية المحمية من تقلبات أسعار الصرف" التي تضمن للمودع بالليرة عدم الوقوع ضحية لتقلبات أسعار الصرف، والحصول على الفائدة المعلنة، يضاف إليها الفرق في سعر الدولار بين وقت الإيداع والسحب.
وقالت إنه في نهاية تاريخ سحب الوديعة إذا كانت أرباح المودعين في المصارف بالليرة أكبر من زيادة سعر الصرف، فإنهم سيحافظون على أرباحهم، أما في حال كانت أرباح سعر الصرف أكبر، فعندئذ سيتم دفع الفرق للمواطن، مع إعفائه من الضرائب.
وأضافت أنه يمكن فتح حسابات الوديعة بآجال 3 و6 و9 و12 شهرا، وتطبيق الحد الأدنى لمعدل الفائدة المعلن من قبل البنك المركزي التركي.
ولفتت الوزارة إلى أنه في حال سحب قيمة الإيداع قبل تاريخ الاستحقاق، فإن حساب الوديعة سيتحول إلى حساب جارٍ، ويتم إلغاء حق الحصول على الفائدة.
المصدر: الجزيرة نت+الأناضول