كهوف ظفار العُمانية.. قِبلة لعشاق سياحة المغامرة والتاريخ (صور)
ظفار-اقتصاد تركيا
بإطلالته المتميزة على بحر العرب وتجاويفه الضاربة في عمق التاريخ ونوافير مياهه المندفعة من باطن الأرض، يستقطب كهف "المرنيف" على شاطئ "المغسيل" في محافظة ظفار جنوبيّ سلطنة عمان الكثير من محبي المغامرة وعشاق التاريخ.
وتزخر الأراضي العمانية ببيئة جغرافية وجيولوجية متنوعة، وهو ما يتجلى في وجود مئات الكهوف تختلف أنواعها وأحجامها وتاريخ نشأتها وتكويناتها الجيولوجية.
وسنويا، يتوافد آلاف السائحين وعشاق المغامرة لاستكشاف معالم هذه الكهوف وأسرارها الموغلة في القدم، خاصة وأن طبقات الأرض التي تكونت عليها بعض تلك الكهوف نشأت قبل حوالي 70 مليون سنة.
ويعد كهف "المرنيف"، وغيره من كهوف جبال ظفار، بجانب الطبيعة الخلابة والمراعي الخضراء، عامل جذب سياحي كبير حوّل مدينة صلالة وضواحيها إلى مقصد سياحي بارز على مستوى السلطنة، وساهم في تنشيط الحركة السياحية والتجارية جنوبي الدولة الخليجية وخلق موارد دخل رئيسية لقطاعات كبيرة من السكان.
في هذه المنطقة، بدا حرص الحكومة العمانية وتطلعها إلى تعزيز القطاع السياحي من خلال تعبيد الطرق المؤدية إلى أشهر الكهوف وتوفير وسائل الراحة، بما يسهل على الزائرين الوصول إليها، حيث جُهز كهف "المرنيف" بمرافق وتدابير حماية خاصة، بجانب إنشاء استراحات وممرات وممشى لخدمة السائحين.
وزار مراسل الأناضول كهف "المرنيف" العملاق في منطقة شاطئ "المغسيل" على بحر العرب، وهو يبعد حوالي 45 كيلومترا عن صلالة.
ومن بين مئات الكهوف في سلطنة عمان، ثمة كهوف مميزة استطاعت أن تجتذب إليها السائحين محليا ودوليا، أبرزها "المرنيف" و"أبوهبان" و"الهوته" و"الكتان" و"جرنان" و"مجلس الجن" و"طيق" وحفرة إذابة "طوي أعتير".
وتشكل كهوف عمان أيضًا وجهة بارزة لفرق البحث العلمي، التي أتمت حتى الآن دراسة واستكشاف حوالي 5 أو 6 كهوف هي الأكبر والأبرز على مستوى عمان والعالم، وفق بيانات لوزارة التراث والسياحة العمانية.
"المرنيف".. ظاهرة فريدة
وقال الخبير الجيولوجي في محافظة ظفار، علي بن فرج الكثيري، للأناضول، إن "كهف المرنيف يقع تحت صخرة هائلة من الحجر الجيري الصلب يعود تكوينه إلى ما يسمى في الخرائط الجيولوجية بـتكوينات عشوق، التي تشكلت خلال عصر الأوليجوسين، ويقدر عمر تكوين هذه الصخور في البحر بما بين 28 و30 مليون سنة".
وتابع: "الصخور المحيطة في المنطقة أقل عمرًا من الكتل الصخرية التي يتكون منها الكهف، حيث ترجع تكوينات المغسيل على الخرائط الجيولوجية في عمان إلى العصر المايوسيني ويقدر عمرها بحوالي 20 مليون سنة".
وأوضح أن "الكهف عبارة عن كتلة هائلة تدحرجت أثناء تكّون الصخور الطبقية من الحجر الجيري الطباشيري، فقد تدحرج هذا الحجر الكبير ووقع في البحر أثناء تكوين الصخور المحيطة به من الحجر الجيري الطباشيري المشكَّل على هيئة طبقات".
وأردف: "من ناحية عمر التكوين ونوعية الصخر وتركيبته، فإن الصخر الذي تكّون منه الكهف يختلف عن الصخور المحيطة به".
وأفاد بأنه "بسبب هذه الطبيعة المميزة يعتبر المرنيف ظاهرة فريدة في ظفار، بالنظر إلى أن غالبية الكهوف في المحافظة عبارة عن كهوف إذابة تشكلت بفعل هطول أمطار الخريف أو الأمطار المصاحبة للأعاصير والمنخفضات الجوية، إذ تتخلل الأمطار وتسري بين الشقوق والفجوات والصدوع الموجودة إلى باطن الأرض، وهو ما ينجم عنه تشكّل تجاويف صخرية بفعل ذوبان الصخور الجيرية".
ووفق "الكثيري"، فإن "كهف المرنيف تكّون بفعل الصدوع والنشاط التكتوني لخليج عدن والبحر الأحمر".
وتابع: "فيما كانت صخور المغسيل والصخور الرسوبية الطبقية المحيطة بنا ما تزال في طور التكوّن، كانت صخور المرنيف موجودة بالفعل في اليابسة وتتميز بقدمها، وربما كانت هناك هزة أرضية أو ما شابه ما أدّى إلى تدحرج الكتلة الصخرية، التي تحتوي على المرنيف، إلى موقعها الحالي، ثم أتت الصخور الأحدث تكوينًا لتحيط بصخرة المرنيف من كل جانب".
وأوضح أن "كهف المرنيف يختلف أيضًا عن كهوف الإذابة من ناحية عدم احتوائه على صواعد أو هوابط، وهو ما يبرز اختلاف طريقة تكونه عن بقية الكهوف".
ظفار.. بيئة مثالية
عدد الكهوف في ظفار لا حصر لها، وبحسب الخبير الجيولوجي، فإن "ظفار منطقة صخور جيرية وبيئة مثالية لتكّون الكهوف، خاصة مع هطول أمطار فصل الخريف. هناك كهوف عبارة عن فتحات كبيرة ليس لها عمق محدد، بينما تتميز كهوف أخرى باحتوائها على مغارات عميقة".
و"توجد حوالي 5 أو 6 كهوف تمت دراستها من جانب بعثات علمية ولديها ظواهر فريدة من حيث التكوينات الصخرية وعمقها في الجبال"، وفق الكثيري.
وتابع: كما توجد حفر إذابة مثل حفرة "طيق"، وهي من أكبر حفر الإذابة عالميا، بالإضافة إلى "طوي أعتير" و"شعت"، إذ تعد المنطقة بيئة مثالية لتكون حفر الإذابة والكهوف.
وأفاد بأن ذلك يرجع إلى عوامل أبرزها أن أغلب الصخور في ظفار صخور جيرية، بجانب هطول أمطار الخريف ووجود الصدوع، ما جعل منها بيئة مثالية لهذه الظواهر.
3 أقاليم جيولوجية
وعن اختلاف البيئة الجيولوجية في محافظات سلطنة عمان، قال الكثيري: "تتكون جيولوجيا سلطنة عمان من 3 أقاليم جيولوجية مختلفة، ففي شمال السلطنة تأثرت التراكيب الجيولوجية بما يسمى صخور الأوفيولايت، والتي تكونت وترسبت في الأصل في قاع البحر ثم زحفت قبل حوالي 70 مليون سنة إلى سطح الأرض، كما هو الحال في مدينتي مسقط وسمائل".
وأضاف: "أما وسط عمان ومناطق الدقم وجزيرة مصيرة، فهي إقليم جيولوجي آخر متأثر بمنطقة الحقف، وهي عبارة عن صعود بعض الصخور القديمة إلى السطح".
واستطرد: "أما ظفار فتتبع إقليمًا جيولوجيًا آخر مرتبط بشكل أكبر بالنشاط التكتوني الذي تسبب في نشوء البحر الأحمر، إذ تشكّل الصدوع الموازية للبحر الأحمر معظم التركيبة الجيولوجية لظفار، بينما معظم الكهوف الموجودة بالسلطنة هي كهوف إذابة توجد في الصخور الجيرية، كما في منطقة الجبل الأخضر ومنطقة عبري وكذلك شمال وشرق محافظة الشرقية".
تاريخ البشر والمناخ
وبخصوص أبرز الكهوف في عمان، قال الخبير الجيولوجي إن "هناك كهف "مجلس الجن"، وهو من أكبر الكهوف على مستوى العالم، وغيرها من الكهوف التي تم دراستها واستكشافها من قبل الفرق العلمية المتخصصة".
وتابع: "وتمثل الكهوف أهمية خاصة وكبيرة جدا من حيث التاريخ البشري، لأنها كانت شاهدة على تدوين الإنسان القديم لكتاباته ورسوماته على جدران الكهوف لتيقنه من بقائها، لأن جوف الكهف بعيد في العادة عن عوامل التجوية والتعرية الموجودة خارج الكهف".
وأفاد بأن "أهمية أخرى تكتسبها الكهوف، وهو احتفاظها بمعلومات عن المناخ القديم للمناطق الموجودة بها، فمثلا تختزن الصواعد والهوابط معلومات قيمة جدا عن كيفية تكوينها ونوعية الأمطار التي هطلت عليها وكمياتها، حتى أنه بالإمكان تحديد عمر كل طبقة من طبقات تلك الصخور والظروف المناخية السائدة آنذاك".
دعم سياحة "الكهوف"
وبشأن سياحة الكهوف، قال الكثيري: "هذا جانب واعد جدا ويحتاج مزيدًا من الاهتمام، فهي نوع من سياحة المغامرة وسياحة التاريخ من حيث الكتابات القديمة، والتي ينبغي إيلاء أكبر اهتمام بها والمحافظة عليها من العبث والتعدي عليها".
وأردف أن "سياحة الكهوف لها مستقبل كبير، خاصة وأن عمان غنية بمثل هذا التاريخ، ومن ثم تحتاج إلى الاهتمام والتشجيع من العاملين في المجال، سواء الشركات الصغيرة والمتوسطة أو من خلال الوفود السياحة الزائرة للسلطنة".
المصدر: الأناضول