أسعار المطاعم السورية في إسطنبول فوق قدرة الزبون.. والسبب؟
إسطنبول-اقتصاد تركيا
"أضطر بشكل يومي للطبخ في المنزل، بعد عملي الذي يستمر لحوالي 12 ساعة، بسبب ارتفاع أسعار الوجبات السريعة بشكل شبه ساعي في المطاعم، واختلاف الأسعار بين مطعم وآخر، وخصوصًا المطاعم السورية".
بهذه الكلمات اشتكى علي عايد (24 عامًا)، لاجئ سوري مقيم بمنطقة الفاتح في تركيا، من تقلّب أسعار الوجبات والمأكولات التي تقدمها المطاعم السورية في مدينة اسطنبول، مع غياب آلية ضبط الأسعار، وتحكّم التجار بها.
وأضاف بحكم عمله في توزيع الإكسسوارات، فهو يزور مطاعم كثيرة في مناطق مختلفة يوميًا باسطنبول، أنه لم يعرف السبب المحدد في رفع الأسعار “بشكل هائل”، فبعض المطاعم يبرر رفع الأسعار بانخفاض قيمة الليرة التركية، وبعضها يبرر التباين مع المطاعم الأخرى بتقديم الخدمة الجيدة، وبعضها متعلق بطبيعة المنطقة وحيويتها.
ويواجه السوريون، في تركيا عمومًا وفي اسطنبول خصوصًا، صعوبات متزايدة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ولا سيما أسعار الوجبات في المطاعم، خلال الأشهر الأخيرة، وسط انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار.
وشهدت قيمة الليرة التركية انخفاضًا غير مسبوق أمام الدولار، لتتخطى حاجز الـ14 ليرة تركية مقابل الدولار الواحد، خلال الشهر الماضي، وسط عدم استقرار في قيمتها بشكل شبه يومي، وسجل سعر صرف الدولار الأمريكي اليوم، الجمعة 10 من كانون الأول، 13.93 ليرة تركية، بحسب موقع “Döviz” المتخصص بأسعار الصرف والعملات الأجنبية.
من جهته، قال صلاح (شاب سوري مقيم في اسطنبول، يعمل في محل عطورات)، إنه قاطع المطاعم السورية منذ انخفاض قيمة الليرة، بسبب الارتفاع غير المنطقي في أسعارها، على حد وصفه.
ولجأ صلاح إلى المطاعم التركية، ليؤمّن وجباته اليومية بما يتناسب مع دخله الشهري، مقارنًا المطاعم التركية بالسورية، بأن المطاعم السورية أقل جودة من ناحية تخديم الطلب، أو نسيان قسم منه، وأكثر تأخيرًا في مواعيد الأكل، مع ارتفاع غير منطقي وشبه يومي بالأسعار عكس المطاعم التركية.
وأعرب صلاح عن تمنياته بأن تنافس المطاعم السورية نظيرتها التركية، من ناحية الجودة، والالتزام بالوقت، والنظافة، قبل أن ترفع أسعارها.
وتشهد المطاعم السورية في اسطنبول ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الوجبات والمنتجات التي تقدمها، وتتباين الأسعار من مطعم لآخر، ما يثير استياء السوريين، كونهم الزبون الأساسي لهذه المطاعم، وكون هذه المطاعم تقدم الوجبات التي تلبي احتياجاتهم.
أسباب الارتفاع والتباين
عزا عمر حميدان (صاحب مطعم في اسطنبول)، في حديث إلى عنب بلدي، ارتفاع أسعار الوجبات إلى عدة أسباب، أهمها ارتفاع تكلفة المواد الخام، وخصوصًا مادة الدجاج الأساسية.
وأوضح أن مادة الدجاج ارتفع سعرها أكثر من 120%، إذ كان يبلغ سعر الكيلو الواحد من الدجاج 13.5 ليرة تركية سابقًا، ليصل إلى 32 ليرة تركية.
وأضاف أن فتح سوق التصدير للخارج أثّر على سعر هذه المادة في الداخل، عدا عن ارتفاع أسعار المواد الأخرى كالتوابل والزيوت، وكذلك المواد التي تتطلبها خدمة الوجبات، كالمواد البلاستيكية والمواد الحافظة للحرارة.
وانخفاض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار بشكل يومي، أدى إلى غياب آلية لضبط العديد من الأسعار، ليس فقط أسعار المنتجات، إنما إيجار المطعم الذي ارتفع خلال شهرين عن الارتفاع المعهود خلال سنة كاملة، وغياب آلية لزيادة رواتب الموظفين، بحسب حميدان.
وحول تباين الأسعار بين مطعم سوري وآخر، أوضح حميدان أن المنطقة التي يوجد فيها المطعم تلعب دورًا مهمًا في ذلك، إذ يختلف إيجار مكان المطعم من منطقة لأخرى اختلافًا كبيرًا، وبقارق بالآلاف، وكذلك استخدام كل مطعم مواد مختلفة عن الآخر.
ونوّه حميدان بخصوص مقارنة المطاعم السورية بالتركية، إلى وجود اختلافات بسيطة، كاختلاف استخدام المطاعم السورية للمزيد من المواد الأولية، كالتوابل والبهارات، وحتى المواد البلاستيكية، وعلى سبيل المثال، “تصنيع مادة الثوم (المايونيز)، المكلفة، والتي تلقى إعجابًا من الأتراك أنفسهم”.
وأكد حميدان أن تباين إيجار المطاعم لا يلغي تحكّم التجار بتسعير المنتجات، مستغلين تذبذب قيمة الليرة التركية، ورفعهم للأسعار بشكل غير عادل، إذ رفعت بعض المطاعم أسعارها قبل أن ترتفع أسعار المواد الأولية عليها.
وذكر حميدان سببًا آخر “ليس بجديد لكنه مؤثر في ارتفاع الأسعار”، وهو قدوم رؤوس الأموال واستثمارها في المطاعم، ودفعها مبالغ طائلة للحصول على مكان مميز للمطعم، تسبب بتباين الأسعار من منطقة لأخرى، فالمستثمر يدفع “آلاف الدولارات (فروغ) للمحل” فقط، ليبدأ بعدها بكتابة عقد الإيجار.
وأعرب عن عدم رضاه عن الارتفاع الهائل الذي شهدته الوجبات، فارتفاع الأسعار لا يرضي البائع ولا المشتري، و”المشتري يرى البائع استغلاليًا، متحكّمًا بالأسعار حسبما يريد”، وأوضح أن “هامش الربح سابقًا أفضل بكثير من الربح الحالي”.
وتحتضن مدينة اسطنبول العديد من المطاعم السورية، خصوصًا منطقة الفاتح، إذ تنتشر بكثافة وتقدم وجبات شرقية وغربية لزبائنها من المقيمين والأجانب.
كما استقطبت مدينة اسطنبول عددًا كبيرًا من المستثمرين السوريين، وغزت المطاعم السورية شوارع المدينة، بسبب التسهيلات التي قدمتها الحكومة التركية لأصحاب المشاريع.
معالجة ارتفاع الأسعار والاحتكار
بسبب التراجع الكبير في قيمة الليرة التركية أمام الدولار، وكذلك الصعوبات الاقتصادية التي مرت بها تركيا، عقب انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، ارتفعت معدلات التضخم لمستويات عالية، وهو ما ولّد زيادة تدريجية بالأسعار في معظم القطاعات.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أكد أن المشكلات الناجمة عن ارتفاع الأسعار التي تشهدها البلاد بسبب التقلبات في سعر الصرف، ستتم معالجتها عبر الاستثمار والتوظيف والإنتاج.
ووفق تصريحات أدلى بها في 29 من تشرين الثاني الماضي، أوضح أردوغان أن مشكلات ارتفاع الأسعار الناجمة عن التقلبات في سعر الصرف، ليس لها أساس اقتصادي.
وفي 8 من كانون الأول الحالي، أعلن الرئيس التركي أن بلاده تحقق في قضية التلاعب بأسعار صرف العملات، وقال إن “هيئة الرقابة تحقق في قضية التلاعب بأسعار الصرف، وسنرى من يقف وراء ذلك”.
وأكد أن تركيا ستتغلب على الهجمات التي تستهدف اقتصادها، وأن هذه الهجمات لن تخلّف آثارًا عميقة في بنيته.
وعن مسألة ارتفاع أسعار السلع والمنتجات، قال أردوغان “عقب الانتهاء من مناقشة موازنة 2022 في البرلمان، سنطرح مشروع قرار لمكافحة المحتكرين”.
ولفت إلى أن ارتفاع أسعار بعض المنتجات ناجم عن زيادتها عالميًا، وقيام بعض الاستغلاليين باحتكار المنتجات والسلع، وقال إن “الاحتكار حرام في ديننا، ولن نسمح للمحتكرين بأن يتحكموا في أسعار السلع والمنتجات، وأقول لهم إن عقوبات كبيرة ستطالكم قريبًا”.
المصدر: عنب بلدي