الدول لا تفلس.. ولكن
الإفلاس هو عجز الشركة عن الوفاء بالتزاماتها أمام الدائنين، فتقوم بتصفية كل أملاكها وحساباتها البنكية لسداد أكبر قدر ممكن من هذه الالتزامات ثم تخرج من السوق بشكل نهائي.
فقد يتعرض التاجر الفرد أو الشركة التجارية باعتبارها شخصية قانونية معتبرة قانونا في التعامل التجاري -والبنوك أيضا- للإفلاس، وعندما يشهر بنك ما إفلاسه فهو في وضع يكون فيه عاجزا عن توفير السيولة اللازمة لسداد أصول الودائع وفوائدها للمودعين ويكون غير قادر على تحصيل استحقاقات القروض وفوائدها التي كان قد منحها للعملاء.
الإفلاس يعني النهاية القانونية لوجود المؤسسة في السوق ونهاية عملها الإنتاجي إذ تتعرض لتصفية شاملة وبيع جميع الأصول لسداد الديون المتراكمة عليها.
أما في حالة إفلاس الدول فإن الأمر يختلف تماماً، فالدول كما هو حال الشركات قد تعجز عن الوفاء بالتزاماتها المالية وسداد الدين العام، وقد ترتفع المصروفات بشكل كبير على الإيرادات العامة.
وقد نطلق على ذلك حالة إفلاس دولة، ولكن الأمر يختلف كثيرا عن إفلاس الشركات، فليس هناك محكمة خاصة كما هو الحال في الشركات لبيع أصول الدول لغرض سداد مستحقات الدائنين، وليس هناك جهة معينة في العالم بإمكانها وضع يدها على ممتلكات وموارد الدول وبيعها في الأسواق.
إلا أن تداعيات إفلاس الدولة أخطر بكثير من إفلاس الشركات والبنوك، ففي هذه الحالة تكون الدولة عاجزة عن إدارة الاقتصاد الوطني ومواجهة التحديات الناجمة عن ذلك.
فالبطالة سترتفع إلى درجات عالية جدا، وقد تصل إلى 50%، ومعدل التضخم قد يصل إلى مستوى يهدد الاستقرار المعيشي بحيث يعجز المجتمع عن مواجهة الفقر المدقع. والتصنيف الائتماني للدولة سيتدهور ليؤدي إلى فقدان ثقة المستثمرين بالاقتصاد، وهذا يعني هروب رؤوس الأموال وانخفاض السيولة العامة، وعدم قدرة الدولة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية. كما أن قدرة الدولة المالية ستنهار ما يعني عدم قدرتها على تمويل مشاريع البنية التحتية وإنشاء المدارس والمستشفيات ودفع رواتب الموظفين، وهذا سيكون أقرب إلى الفوضى السياسية التي لا تتمنى أي دولة أن تتعرض لها لأنها ستفقدها السيادة والاستقرار.
إن أهم مؤشرات إفلاس الدول هو ارتفاع الدين العام بحيث يتجاوز 60% من الناتج المحلي ليصل إلى 100%، واستمرار ارتفاع العجز المالي في الميزانية العامة بسبب انخفاض إيرادات الدولة بحيث يرتفع بنسبة 100% في السنة، وتبني الدولة لسياسة تقشفية صارمة لسنوات عدة، إضافة إلى تفشي ظاهرة الفساد المالي بحيث تكون الدولة عاجزة عن وقف نهب المال العام وممتلكاتها، فالمفسدون يكونون أقوى بكثير من الدولة ومؤسساتها وقوانينها لأنهم داخل مؤسسات الدولة وبعضهم في مناصب عالية، وكلما زاد الفقر والبطالة ارتفع حجم الفساد الاقتصادي الممنهج.