النظام الاقتصادي المعاصر ومشكلة توزيع الثروة
يعاني النظام الاقتصادي في الوقت الراهن من مشاكل عميقة ليس بسبب ضعف القدرة الإنتاجية أو ندرة في الموارد ولكن نتيجة للتوزيع غير العادل للثروات وتكدس الأموال في شريحة معينة من الناس. حيث إن الهدف الرئيسي للأنظمة الاقتصادية هو تحقيق رفاهية المجتمع من خلال توزيع الثروة بين أفراده. والتوزيع العادل لا يعني بالضرورة التساوي، لأن التوزيع المتساوي قد يؤدي إلى الظلم، وكان هذا أحد أسباب فشل النظام الاشتراكي بانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991م. والنظام الاقتصادي المعاصر يمكن اعتباره نظام هجين أو خليط من عدة نظريات وفلسفات تطورت عبر مر العصور من الميركانتيلية والرأسمالية والكنزية والاشتراكية وغيرها.
وبحسب النظريات الاقتصادية الكلاسيكية فإن المشكلة الأساسية تكمن في قلة ومحدودية الموارد من جهة وتعدد احتياجات الناس من جهة أخرى. ولكن الواقع أثبت أن هذا غير صحيح. فالموارد الموجودة في الأرض تكفي كل البشرية وإن المشكلة تكمن في توزيع هذه الموارد وليس في ندرتها. أضف إلى ذلك، أن التطور العلمي الحاصل بعد الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر الميلادي والذي أدى إلى تطور هائل وحثيث في وسائل الإنتاج جعل القدرات الإنتاجية للشركات والمصانع أكبر بكثير من الاحتياجات الأساسية للإنسان من الغذاء والدواء.
والمال في علم الاقتصاد عبارة عن وسيلة لتحريك العجلة الاقتصادية من إنتاج واستهلاك، ولكن النظام الاقتصادي المعاصر -في تصوري- يعيقها من خلال أمرين اثنين، أولهما من خلال نظام الفوائد البنكية، والذي يجعل أصحاب الأموال يتجهوا نحو توليد المال بالمال في البنوك والبورصات بدلاً من الاستثمار والمشاركة في عملية الإنتاج وخلق الوظائف، وبالتالي نمو مالي افتراضي وهمي لا يقابله إنتاج حقيقي، مما يؤدي إلى تضخم وارتفاع حاد ومستمر في الأسعار. والأمر الآخر هو من خلال نظام الضرائب غير العادلة، والذي يتكون من ضرائب مباشرة مثل ضريبة الدخل التي تُخصم مباشرةً من رواتب المواطنين، أو ضرائب غير مباشرة كضريبة القيمة المضافة والتي تقوم الشركات بإضافتها إلى قيمة المنتجات وبالتالي يتحملها المستهلك النهائي أي أن الذي يدفعها هو المواطن أيضاً!
وفي أحدث احصائيات للبنك الدولي ومنظمة الأغذية والزراعة التابع للأمم المتحدة (FAO) هناك 10 بالمئة من سكان العالم تحت خط الفقر ويعانون من انعدام الأمن الغذائي أي تقريبا 770 مليون شخص. وبحسب تقرير الثروة العالمية الذي يصدر من المؤسسة المالية السويسرية (Credit Sisse) فإن إجمالي الثروة في العالم عام 2019م بلغت 360 ترليون دولار. وفي أحكام الدين الإسلامي لا توجد ضرائب، وإنما تؤخذ من الأموال المكدسة الفائضة بمقدار 2.5 بالمئة فقط في السنة لصالح الفقراء تسمى الزكاة وذلك عند بلوغها مقدار معين زائد عن الحاجة.
فإذا تم فرض ضريبة مقدارها 2.5 بالمئة من إجمالي الثروة في العالم وهي نسبة ضئيلة وتعادل الزكاة في الإسلام سيكون الناتج 9 ترليون دولار، وهو مبلغ كبير جداً وبالتأكيد قادر على حل مشكلة الفقر، فإذا وزع ربع هذا المبلغ على من هم تحت خط الفقر سيكون نصيب الأسرة المكونة من اربعة أفراد ما يقارب 974 دولار في الشهر ولمدة عام، وهذا بلا شك سيعود بالنفع على الجميع، لأنه سيزيد من الاستهلاك والإنتاج وبالتالي يحدث نمو اقتصادي وتتحرك عجلة الاقتصاد دون أي ارتفاع في الأسعار. وبسبب عدم توفر توجه حقيقي من المجتمع الدولي لحل مشكلة الفقر وبعد التأثيرات المستجدة وغير المسبوقة لفيروس كورونا على الاقتصاد ظهرت الحاجة الماسّة لتعديل النظام الاقتصادي الحالي كما ينادي بذلك الكثير من الاقتصاديين حول العالم من بينهم البروفيسور الأمريكي المشهور والمتخصص في التسويق والاقتصاد فيليب كوتلر في كتابه (Confronting Capitalisim).
وخلاصة ما سبق، فإن مشكلة الفقر المتزايد في ظل النظام الاقتصادي المعاصر تكمن في التوزيع غير العادل للثروة وفرض ضرائب تساهم في إفقار ذوي الدخل المحدود. لذلك توجد ضرورة مُلحة لتكتل إقليمي أو دولي حقيقي وفعال للدول الفقيرة على الأقل لمواجهة المشكلات الاقتصادية ومنها الفقر، ويوقف هيمنة الدول الغنية ويوصل صوتها إلى المجتمع الدولي بشكل لائق. وهذا قد يتحقق من خلال إرادة شعبية، وقرار سياسي مستمد من تلك الإرادة بتطبيق المعالجات الاقتصادية الملائمة المستوحاة من القيم الإسلامية التي تتسم بالمرونة والواقعية وتراعي المصلحة العامة.
المصدر: الجزيرة نت