تعرف على مسار الليرة التركية منذ أتاتورك وحتى أردوغان
أنقرة - اقتصاد تركيا والعالم
هوى سعر صرف الليرة التركية إلى أدنى مستوى عرفته العملة، منذ إلغاء أصفارها الستة مطلع عام 2005، ليسجل الدولار حوالي 8.50 ليرات للدولار الواحد، وهو ما رآه مراقبون "كارثة"، كما استدعى استنفارا حكوميا في تركيا.
لكن تدخل الدولة لم يوقف انخفاض سعر الصرف، الذي يرجعه متخصصون إلى أسباب معظمها سياسية وخارجية.
وينسب مراقبون لحزب العدالة والتنمية منذ وصوله للحكم نهاية عام 2002، تحويل الاقتصاد التركي من نقطة ضعف للدولة إلى نقطة قوة، وبداية تلمس لـ"حلم المئوية"، التي وضعها الحزب لاحقا كخطة إستراتيجية لعام 2023، يصل خلالها نادي الاقتصادات العشرة الأكبر.
وفيما يلي نعرض المسار الزمني لليرة التركية صعودا وهبوطا:
فترة أتاتورك
تعود أقدم عملة ورقية تركية أصدرتها تركيا إلى العهد الجمهوري عام 1927، وذلك بعد إعلان الجمهورية في 12 يناير/كانون الثاني 1926؛ ولكنها طبعت بالحروف العثمانية ومن ثم طبعت من جديد بالحروف اللاتينية سنة 1937.
ومنذ ذلك الحين، دخلت إلى السوق التركي 120 ورقة نقدية مختلفة الفئات في 9 إصدارات حتى الآن، فقد كانت الطبعة الورقية الأولى في لندن عام 1927، وكانت من فئة 5 و10 و50 و100 ليرة تركية، وتم تداول هذه العملات حتى 1939.
من عام 1939 حتى 1999
في عام 1944 تم إصدار الطبعة الثانية من العملة الورقية في إنجلترا وألمانيا، وكانت تحمل صورة عصمت إينونو رئيس الدولة آنذاك، وكانت أصغر الفئات 50 قرشا وأكبرها ألف ليرة تركية، وفي وقتها كانت تعادل 0.77 دولارا أميركيا.
وفي عام 1947 تم طباعة فئات جديدة من الليرة في أميركا، وسحبت فئات القروش من التداول وجرى طرح أصغر عملة نقدية حتى ذلك الحين من فئة 2.5 ليرة.
وفي عام 1952 بعد انتهاء حكم إينونو بدأت طباعة صورة مصطفى كمال أتاتورك على العملات مرة أخرى، كما تأسست أول دار طباعة للمال في تركيا عام 1958.
وفي 1966 تم سحب العملة فئة 2.5 ليرة من التداول، وطباعة عملات جديدة بالفئات نفسها مع تصاميم جديدة، وبقيت الألف ليرة أكبر فئة آنذاك.
وخلال الفترة ما بين الـ1980 وحتى الـ1994، وبسبب تدهور الاقتصاد التركي تم إصدار طبعات جديدة من فئة 10 آلاف و20 ألفا و50 ألفا و250 ألفا.
وفي عام 1995 تم سحب فئات 5 آلاف و10 آلاف ليرة، وإصدار فئة 1 مليون ليرة تركية. وفي عام 1999 جرى إصدار فئة 10 ملايين، وسحب فئة 100 ألف ليرة من التداول.
ترك "العدالة والتنمية" وراءه مرحلة الأزمة الاقتصادية التي عاشتها تركيا عام 2001، وانخفاض نسبة نمو الاقتصاد بنسبة 5.7%، لتبدأ زيادة نسبة النمو لتصل إلى 5.3% في عام 2003، ونسبة 9.4% في 2004، وبنسبة 8.4% في 2005، وبنسبة 6.9% في 2006، وبنسبة 4.7% في 2007.
أما في نهاية عام 2008 فبدأت الأزمة الاقتصادية العالمية بالتأثير على تركيا، ومع ذلك نما الاقتصاد التركي في ذلك العام 0.7%، في حين أنه تراجع في عام 2009 بنسبة 4.8%.
وأدت انعكاسات التضخم السلبية إلى فقدان العملة التركية قيمتها، ودفع الائتلافات الحكومية المتتالية التي سبقت حكومة العدالة والتنمية إلى استدانة مليارات الدولارات لإنعاش اقتصاد البلاد، قبل أن تسدد حكومة رجب طيب أردوغان، في يونيو/حزيران 2013 آخر قسط من ديونها لصندوق النقد الدولي.
حذف 6 أصفار من العملة
بعد النمو الاقتصادي الكبير أصبح من الضروري إجراء تعديلات على الليرة التركية، ولأجل ذلك أصدر قانون تنظيم العملة للجمهورية التركية يوم 28 يناير/كانون الثاني 2004، جرى بعدها حذف 6 أصفار من العملة بتاريخ 1 يناير/كانون الثاني سنة 2005 ليبدأ الجيل الثامن من النقود.
منذ ذلك الحين، بدأت رحلة جديدة لليرة التي باتت تساوي 0.5 يورو أو 0.7 دولار؛ لكن ذلك السعر لم يستمر طويلا، إذ تراجع سعر الصرف لنحو 1.42 ليرة للدولار مع نهاية عام 2006.
وكانت الليرة التركية الجديدة من فئات 5 و10 و20 و50 و100 ليرة، ثم في عام 2009 تم إصدار فئة 200 ليرة، وبدأت تحتل مرتبة متقدمة بين العملات، وفي عام 2011 كان الدولار يعادل 1.48 ليرة.
أحداث جيزي بارك والانقلاب والتفجيرات
تراجعت الليرة لتصل في بداية عام 2013 إلى 1.75 ليرة للدولار مع بداية "أحداث جيزي بارك"، ولتقفل سنة 2014 على 2.27 ليرة للدولار، وتحافظ على مستوى هذا السعر، مع تراجع بسيط حتى مارس/آذار 2016، وقتها وصل سعر صرف الدولار إلى 2.557، لتفقد الليرة خلال عامين 45% من قيمتها.
ويعتبر مراقبون أن ليلة الانقلاب الفاشل في تركيا، 15 يوليو/تموز 2016، تأريخا جديدا لليرة، وقتها تراجع سعر صرفها إلى 2.94 مقابل دولار واحد، لتفقد نحو 4% من قيمتها، قبل أن تتحسن بأول يوم عمل بعد يومي عطلة تليا الانقلاب، بنحو 3%؛ إلا أن حاجز 3 ليرات للدولار لم يكن بعيدا، على الرغم مما اعتبره مراقبون وقتذاك "حاجزا نفسيا" إن تعدته الليرة، فستستمر بالتراجع.
وأتت تفجيرات عدة طالت الولايات التركية بعد انقلاب يوليو/تموز 2016، ربما أهمها وأخطرها في إسطنبول، التي شهدت تفجيري السلطان أحمد وبشكتاش، ليتراجع سعر الصرف تباعا ليصل إلى 3.521 ليرات للدولار، وتحافظ على هذا المستوى، حتى مطلع مايو/آيار 2017.
2018 بداية التدهور الحاد
واجهت تركيا أزمة اقتصادية ونقدية قاسية في العام 2018، ما تزال مستمرة حتى اليوم، حيث تراجعت الليرة إلى 6.90 أمام الدولار في نهاية العام نفسه، ثم ارتفع سعر صرفه إلى 5.85 ليرات مع نهاية العام 2019، ثم ما لبثت أن عادت للهبوط في العام 2020 الجاري إلى أن وصلت نحو 8.50 مقابل الدولار في تعاملات أمس الأربعاء.
لماذا تستمر الليرة بالتدهور؟
ذكر الباحث الاقتصادي في جامعة يلدريم بيازيد، محمد كلوب، للجزيرة نت أن تركيا تعرضت لمستجدات غير مسبوقة في آخر سنتين أدت إلى تدهور سريع في عملتها من بينها حصول توترات في علاقاتها الخارجية، وكذلك جائحة كورونا، فضلا عن الانكماش الاقتصادي، الذي أضر بقيمة صادراتها في ظل انخفاض العائدات السياحية بنسبة 74%.
وأرجع كلوب سبب تخطي الليرة لحاجز 8 ليرات للدولار الواحد إلى رجوح كفة بايدن في الانتخابات الأميركية، الذي بدوره توعد تركيا مرارا بعقوبات قاسية، إضافة إلى أن الاستثمارات الأجنبية بطبيعتها نقدية قصيرة الأجل، فضلا عن التوقعات بارتفاع معدلات التضخم بحيث ستصل لـ12.1% متجاوزة معدل الفائدة 10.25%.
ولفت إلى أن فوز ترامب سينتج عنه استقرار لسعر صرف الليرة التركية بالنظر لاستقرار العلاقات نسبيا مع الولايات المتحدة، أما فوز بايدن سيعمق خسائر العملة التركية لحين إرساء قواعد العلاقات بين الإدارة الجديدة وتركيا.
وتوقع الباحث كلوب أن تتخطى الليرة حاجز 10 ليرات للدولار الواحد مع نهاية هذا العام في حال الاستمرار على أسعار فائدة متدنية؛ لكن في حال رفع البنك المركزي التركي سعر الفائدة بفارق كبير عن التضخم، فسينتج عنه تحسن في سعر الصرف.
المصدر : الجزيرة نت