أردوغان ينتظر 2023 لإعلان تركيا قوة عظمى
فوزي بن يونس بن حديد
يتحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مؤتمراته بكل ثقة، ويغمره الفخر بما يفعله من تحدٍّ كبير للاتحاد الأوروبي والعالم في شرق المتوسط، لأنه يعتقد أن تركيا اليوم أصبحت دولة كبرى وقريبة من العُظمى وقادرة على الاعتماد على نفسها في مجالات كثيرة، لا سيما في مجال التسلح والطاقة.
ويبدو أن الرئيس التركي يعي أن ما يفعله ستعقبه ربما تحديات كبيرة على مستوى علاقاته بالدول الكبرى كأمريكا وروسيا، ولكن ذلك لم يجعله يتراجع في أفعاله تجاه اليونان وقبرص اليونانية، وكذلك في أذربيجان، وفي مواقع عالمية أخرى مثل ليبيا وسوريا والعراق، ومساعدته قطر في أزمتها ودفاعه الكبير عن القدس الشريف ودفاعه عن الفلسطينيين وغيرهم من المظلومين في البلدان الأخرى من العالم الإسلامي، وهذا يجعله محط نظر من القوات العالمية وكذلك معارضيه في الداخل.
إذ صرح أحمد داوود أوغلو أحد أصدقائه القدامى أن أردوغان يمثل خطرا كبيرا على تركيا اليوم مما يوحي بأن أردوغان سوف يواجه صعوبات كبيرة وتحديات كثيرة في المرحلة القادمة، وبالتالي يزداد خصومه يوما بعد يوم وتتعقد عنده الأمور.
وقد ذكر الرئيس التركي أنه سيرسل سفينة ثانية للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط ويعتبر ذلك حقا من حقوق تركيا، ولا حق لأي دولة في العالم أن تعترض على ذلك، فما الذي يرمز إليه أردوغان من خلال ما يقوم به في ذلك المكان؟، إنه يريد أن يقول للعالم أن تركيا صارت دولة قوية وليست كما عهدتموها في قديم الزمان، وأن عهد التبعية قد ولى، وأن الرجل المريض قد بدأ يبرأ من مرضه ويُشفى من سقمه، رويدا رويدا، وأن العزة والكرامة هي من أفضل الأشياء التي يحصل عليها الإنسان، فهو يتحدث بلغة القوة لا بلغة الضعف حينما يخاطب الاتحاد الأوروبي ويتحدى الرئيس الفرنسي ويحذر المستشارة الألمانية ويتحدث مع الرئيس الروسي ويجامل الرئيس الأمريكي، وقادر على المراوغة لإثبات الوجود، في ظل ظروف عالمية كارثية وأزمات متتالية يمر بها العالم.
وقد استفاد الرئيس التركي من هذه الأزمات التي جعلت العالم ينشغل عن ما يقوم به في أماكن عدة، من الشرق إلى الغرب، ووعد الشعب التركي أن تركيا اليوم ليست كتركيا الأمس، حيث نما الاقتصاد وتطور ومازال قيد التطوير المهمّ للغاية في المدة المقبلة، وحيث الاستقرار السياسي والأمني الذي يمنح البلاد التقدم في جميع المجالات التي ترغب فيها رغم الانتقادات من الداخل والخارج، فأردوغان لا يعبأ بما يقال عنه ويرد بكل حسم وحزم ولا يبالي بالانتقادات التي ترد إليه عبر القنوات الإعلامية المختلفة، فهو يعتبرها متخلفة لا ترقى حتى إلى الرد عليها في بعض الأحيان، ومما زاده قوة التأييد الشعبي في الداخل والزخم الكبير من الخارج، فانطلق يحصد ما زرعه طوال سنوات حكمه ونضاله من أجل تقدم البلاد وتطورها.
لكن يبدو أن أردوغان بدأ حملته الانتخابية مبكرا جدا وأراد أن يثبت لشعبه أنه وفي بوعده، وأنه سيجعل تركيا دولة متحضّرة تصنع السلاح وتصدّره، وتكتفي بما عندها من قدرات وثروات، ولا تحتاج إلى الاستيراد إلا في نطاقات ضيقة، فهو يريد أن يضمن ولاية أخرى في مقعد الرئاسة التركية من خلال الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في عام 2023م حيث الاحتفال بمرور مائة عام على اتفاقية لوزان التي ألغت الخلافة وعلمنت تركيا وقطعت صلتها بالإسلام، فهذا العام يعتبر حاسما لأردوغان الإسلامي الذي جاء لينقذ تركيا من براثن التخلف المعيشي إلى قمة التطور السياسي والاقتصادي، ومن ثم إحياء الامبراطورية العثمانية من جديد ليقف الرجل المريض على رجْليه ويعلن أنه في صحة جيدة، وأنه قادر على تغيير الأوضاع والرقي بالبلاد نحو أفق جديد.
وقد يبدو أن ذلك سهل بالنسبة لأردوغان لكن ينبغي ألا نتفاءل كثيرا في هذا الأمر، خاصة إذا علمنا أن الاتحاد الأوروبي سوف يفرض عقوبات على تركيا إذا استمرت في إصرارها على إرسال سفينة ثانية لشرق المتوسط متجاهلة غضب اليونان وبعض الدول الكبرى، وقد تحدث مواجهة عسكرية بين تركيا واليونان كما حدثت بين أذربيجان وأرمينيا، وقد تغضب روسيا على التدخل التركي المستمر في الحرب الدائرة بين باكو ويريفان، وقد يسعى الرئيس الأمريكي إلى منع الرئيس التركي من تحقيق حلمه فيقف في وجهه ويضع له العراقيل، وقد تظهر معارضات قوية في الداخل التركي مرة أخرى لتزعزع الاستقرار السياسي بدعم خارجي ربما، فهل يستطيع فعلا أردوغان أن يتجاوز كل هذه الحسابات، وهل استعد جيدا لكل هذه المفاجآت، لعل الزمن وحده كفيل بأن يضع النقاط على الحروف.