ثورة الطاقة المحلية في تركيا
يرتبط تسلسل الدول في سلّم الاقتصاد العالمي ارتباطاً مباشراً بقدرتها على إدارة اقتصادها الوطني بشكلٍ ناجح ومستقل تماماً، وتحويله إلى اقتصاد مستدام.
ويشكل الاكتفاء الذاتي في تلبية احتياجات الطاقة، والاعتماد على الذات في مجال الدفاع وحماية الأمن القومي، حجر الأساس في نجاح جميع البلدان التي تتمتع بمكانة قوية في الاقتصاد والدبلوماسية والتكنولوجيا والإنتاج والتجارة العالمية.
وفي الوقت الذي اتخذت فيه الدول المتقدمة الرائدة في العالم، التي يشار إليها باسم مجموعة السبع، خطوات حاسمة في هذين المجالين، تستمر دول مجموعة العشرين بكفاحها هذا الذي لا ينتهي.
وقد حدثت في تركيا التي هي إحدى دول مجموعة العشرين مؤخراً، بعض التحولات الثورية التي جعلتها قادرةً على تعبئة مواردها وقدراتها، بما اتخذته من خطوات هامة وقوية في أنظمة الطاقة وأنظمة الدفاع الوطنية، وبما حققته من قفزاتٍ كبيرة في مجال إنتاج التكنولوجيا المتطورة في قطاعي الطاقة والدفاع.
كما شجع التغيير الثوري في هذين المجالين الرئيسيين، القطاع الخاص وزاد من نشاطه واندفاعه لتحقيق اقتصاد وطني كامل الاستقلالية في البلاد.
وتتابع البلدان الرائدة في العالم، وخاصة أعضاء الناتو، نجاح تركيا وتقدمها في تصنيع المركبات الجوية غير المأهولة "المسيرات" المسلحة وغير المسلحة، وأنظمة الصواريخ، ومشروع تصميم وبناء أسطول من السفن الحربية الكبيرة والفرقاطات متعددة الأغراض، الذي يطلق عليه اختصاراً "MILGEM". ويراقب الجميع نتائج تطور الصناعات الدفاعية التركية في محاربة الإرهاب في كل من سوريا وليبيا والعراق بكثيرٍ من التقدير والاهتمام.
ولا ينبغي إغفال حقيقة أن النجاح الآخذ في الازدياد الذي حققته البلاد منذ عام 2016، مرتبط بتطهير المؤسسات المدنية والعسكرية من جماعة غولن الإرهابية، العميلة لقوى الظلام التابعة للحلف الأطلسي.
كذلك نجحت استراتيجية "الوطن الأزرق" التي نشطت بعد سقوط جماعة غولن الإرهابية، إلى نقطة تم فيها إصدار بيانات تاريخية حول حقوق تركيا الخاصة في مجال النفط والغاز في مناطق البحر الأسود وبحر مرمرة وبحر إيجة والبحر المتوسط.
وأبرزت الخطوة الثورية في مجال الطاقة الشمسية التي قامت بها شركة "قاليون" التركية القابضة، استقلال البلاد الاقتصادي من خلال تحكمها بمواردها المتجددة والطاقة التي تنتجها.
وبفضل استثمار الشركة التركية العملاقة امتلكت البلاد المصنع الأول والوحيد في أوروبا والشرق الأوسط، الذي ينتج سبائك من "البولي سيليكون"، وهو ما يمثل أهم مراحل تصنيع الألواح الشمسية التي تتطلب تكنولوجيا متطورة.
وبما أن السنوات العشر القادمة ستشهد منافسة حادة في مجال الطاقة المتجددة على مستوى العالم، فإن خطوات تركيا التاريخية والثورية في امتلاك تقنيات وموارد هذا النوع من الطاقة، سيدفع اقتصاد البلاد نحو نمو هائل من خلال الصادرات التي تشير إلى أرقام أكثر من 220 مليار دولار بحلول عام 2023، والموجهة بشكل أساسي إلى سوق الاتحاد الأوروبي.
وبإلقاء نظرة سريعة على معدلات النمو والانكماش الاقتصادي لعدد من دول العالم خلال الربع الثاني من العام الحالي، التي تأثرت سلباً بجائحة كوفيد-19، يمكن مقارنة النتائج التي تشير إلى انكماش في الناتج المحلي الإجمالي في تركيا إلى ما بين ناقص 13.67% وناقص 17.46%.
في حين وصل الانكماش في الاتحاد الأوروبي بأكمله إلى ناقص 14.1% وناقص 15% في منطقة اليورو.
وبلغ في إسبانيا ناقص 22.1% وفي إنكلترا ناقص 21.7% وفي فرنسا ناقص 19%، وفي إيطاليا ناقص 17.3% وفي إلمانيا ناقص 11.7%.
وفي الأمريكيتين، يلاحظ أن الاقتصاد في المكسيك تقلص بنسبة ناقص 19%، وفي كندا بنسبة ناقص 13.5%، وفي الولايات المتحدة بنسبة ناقص 9.5%.
من ناحية أخرى، تقلص الاقتصاد في آسيا التي كانت مركز الإمداد العالمي لفترة طويلة، بنسبة كبيرة كما في إندونيسيا حيث وصل الانكماش إلى ناقص 5.4%، وفي كوريا الجنوبية إلى ناقص 3%. وشهدت الصين نمواً ضئيلاً بنسبة 3.2% في الربع الثاني. أما اقتصاد اليابان المستقل فقد وصل انكماشه إلى نسبة ناقص 27.8% في الفترة ذاتها. وهو المعدل الأسوأ الذي شهدته اليابان منذ عام 1955.
وبالرغم من محاولات الاقتصادين الصيني والآسيوي التخفيف من آثار جائحة الفيروس العالمي، إلا أنهما يواجهان الآن خطراً آخر كبير، وهو نشوء مراكز جديدة في سلسلة التوريد العالمية.
المصدر: ديلي صباح