حضور للتكنوقراط وتراجع القيادات القديمة.. ماذا تعني تشكيلة الحكومة التركية الجديدة؟
إسطنبول—اقتصاد تركيا
عقب أدائه اليمين لولاية رئاسية جديدة، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تشكيلته الحكومية الجديدة المؤلفة من 17 وزيرا، وضمت أسماء بارزة وتغييرات ذات دلالات توحي -حسب محللين- بطبيعة السياسات التي يخطط أردوغان لاتباعها في السنوات الخمس المقبلة.
وضمت التشكيلة الوزارية الجديدة 15 وزيرا جديدا؛ في أكبر حملة تجديد للمناصب الوزارية، وحافظ وزيرا السياحة محمد نوري إرصوي والصحة فخر الدين كوجا على موقعيهما.
وسجل مراقبون على حكومة الرئيس التركي الجديدة تراجع حضور القيادات الكبيرة في حزب العدالة والتنمية لصالح التكنوقراط، في حين كانت لحضور "أسماء ثقيلة" -مثل رئيس جهاز الاستخبارات السابق هاكان فيدان في منصب وزير الخارجية، ومن جديد يعود محمد شيمشك وزير المالية الأسبق والملقب بصديق الأسواق إلى المنصب نفسه- دلالات تشير إلى أن الحكومة التركية ستجمع بين الاستمرار في السياسة الخارجية والتغيير في النموذج الاقتصادي المعتمد في السنوات القادمة.
الباحث والمحلل السياسي المتخصص في الشأن التركي سعيد الحاج يرى أن التشكيلة الحكومية الجديدة تنم بشكل عام عن اهتمام بنتائج الانتخابات العامة التي شهدت تأثيرا واضحا للاقتصاد، واستعداد للانتخابات البلدية المقبلة، خاصة في إسطنبول وأنقرة اللتين صوتتا في الانتخابات الأخيرة لصالح مرشح المعارضة.
ويرجح الحاج -في حديث للجزيرة نت- أن السياسات الخارجية في ظل الحكومة الجديدة ستكون أقرب إلى الاستقرار، أما السياسات الداخلية -خصوصا الاقتصاد- فقد تحمل متغيرات.
فيدان وشيمشك
ولفت الباحث إلى أن تعيين فيدان في الخارجية قد يكون إشارة واضحة إلى الاستمرارية في السياسات السابقة، خاصة أن فيدان لم يكن مجرد مساهم ومنسق في السياسة الخارجية، لكنه جزء منها ومن صناعة القرار المتعلق بها مؤخرا، حيث قاد عملية التقارب مع عدد من القوى الإقليمية، وكان له دور بارز في الملفين السوري والليبي بشكل خاص.
وأشار إلى أن فيدان رجل مخضرم مطلع على كل ملفات السياسة الخارجية، معربا عن توقعه بأن تستمر السياسة الخارجية التركية القائمة على التقارب مع القوى الإقليمية التي بدأت قبل أكثر من عامين.
أما تعيين شيمشك في الاقتصاد وزيرا للمالية والخزانة، فهو يشير -حسب الحاج- إلى تغير النهج الاقتصادي للحكومة، بالنظر إلى منهج الرجل القائم على المقاربة التقليدية في إدارة الاقتصاد.
ورجح الباحث أن يكون شيمشك اتفق ضمنيا مع الرئيس أردوغان على فترة انتقالية تدرجية، إلا أنه يحمل فكرة التغيير ويتمتع بمصداقية في الأسواق، سواء في الداخل أو الخارج، موضحا أن تعيينه في هذا المنصب يعكس إعطاء أردوغان الأولوية للتحدي الاقتصادي في السنوات القليلة القادمة.
تكنوقراط أكثر
ولاحظ الحاج أن التشكيلة الجديدة خلت من الأسماء القيادية الحزبية، في خلاف مع الحكومة السابقة، حيث كان وزراء الخارجية والداخلية والعدل قيادات بارزة في حزب العدالة والتنمية، وبموازاة ذلك وجد أن أكثر الوزراء الجدد جاؤوا من داخل وزاراتهم، ولذلك "يمكن وصفهم بالتكنوقراط أكثر من كونهم حزبيين".
وكحالة استثنائية، جاء نائب الرئيس الجديد جودت يلماز من قيادات الحزب، بعكس نائب الرئيس السابق فؤاد أوكتاي، وهذا له علاقة بأن هذه الولاية الرئاسية قد تكون الأخيرة لأردوغان، كما يقول الحاج.
غياب صويلو وأكار
وشكل غياب وزيري الداخلية سليمان صويلو والدفاع خلوصي أكار من الحكومة الجديدة معلما بارزا آخر من معالم المشهد الحكومي، ليحل محلهما والي إسطنبول علي يرلي كايا في الداخلية، ورئيس الأركان يشار غولر في الدفاع.
ويرى الباحث التركي والصحفي في تلفزيون "تي آر تي" الحكومي عامر سليمان أن صويلو وأكار كانا مرشحين للاستمرار، في حين كان يرلي كايا وغولر مرشحين احتياطيين، لكن أردوغان قرر الإبقاء على جميع الوزراء في البرلمان للاستفادة من حضورهم في تحقيق التوازن في اللجان التي سيتم تشكيلها في المجلس النيابي.
وأشار سليمان -في حديث للجزيرة نت- إلى أن صويلو ووزير الصناعة السابق مصطفى وارانك معروفان بأدائهما القوي جدا في البرلمان في الرد على المعارضة.
خصوصية وزارة الدفاع
أما في وزارة الدفاع، فقد لفت الصحفي التركي إلى أن المنهج المتبع حاليا بسبب ما فرضته الأوضاع بعد محاولة الانقلاب في 2016 أن يكون وزير الدفاع من قيادات الجيش لضمان أن يكون له نفوذ وعلاقات قوية وولاء من الضباط داخل المؤسسة العسكرية، وهو ما استدعى تعيين أكار في 2018 وغولر الآن، إضافة إلى الحاجة لوزير من خلفية عسكرية لمتابعة ملفات مشاريع الصناعات الدفاعية.
وأوضح أن المبدأ الذي سار عليه أردوغان في كل الوزارات تقريبا أن يكون الوزراء من داخل كوادر الوزارة، حتى يتوفر لديهم الاطلاع الوافي على الملفات المهمة الجاري تنفيذها، وهو ما حصل في الداخلية التي أعطيت لعلي يرلي كايا، الذي يتميز باطلاعه التام على ملف مكافحة الإرهاب؛ إذ كان واليا في ولايات الشرق مثل إغدر وشرناق، حيث تقع مواجهات من وقت لآخر بين القوات التركية ومقاتلي حزب العمال الكردستاني.
حسابات دقيقة
ورغم أن الأسماء الجديدة في التشكيلة الوزارية التركية تميل إلى كونها من التكنوقراط على حساب حضور القيادات الحزبية، فإن المعايير التي يهتم بها أردوغان لاختيار وزرائه الجدد تجعل الحسابات دقيقة لدى الرئيس التركي.
ويقول الباحث والصحفي التركي محمد طاهر أوغلو إن شخصية أردوغان التي تركز على أدق التفاصيل ومتابعتها في شتى الملفات تحتم عليه اختيار شخصيات منسجمة معه في المقام الأول، ولذلك فإن الحكومة لا يمكن وصفها بأنها تكنوقراط بالمفهوم الشامل للكلمة رغم تمتع الوزراء الجدد بالخبرة والخلفية المهنية.
ورأى طاهر أوغلو -في حديث للجزيرة نت- أن حضور وزير المالية الجديد محمد شيمشك يعد لافتا في هذا السياق؛ فهو مختلف عن أسلافه الذي تعاقبوا على تولي هذه الحقيبة الوزارية، من حيث شخصيته القوية وسمعته العالمية.
وعزا طاهر أوغلو حالة شيمشك الاستثنائية إلى كونها ضرورة يقتضيها استفحال الأزمة التي تسببت في الأغلب بشكل مباشر في خسارة مدينتي إسطنبول وأنقرة في الانتخابات الرئاسية لصالح المعارضة، وإن كان الفارق طفيفا.
لماذا لم يتغير وزيرا السياحة والصحة؟
ومن بين 17 وزيرا الذين تتألف منهم الحكومة الجديدة، ظل الوزيران محمد نوري إرصوي وفخر الدين كوجا الوحيدين اللذين لم تطلهم يد التغيير، إذ لم يرشحهما حزب العدالة والتنمية ضمن قوائمه البرلمانية.
ويأتي قرار استمرار الوزيرين، كما يقول الصحفي التركي، نتيجة نجاح كل منهما في وضع بصمته الخاصة، إلى جانب تركيزهما على العمل بالدرجة الأولى والابتعاد عن التجاذبات السياسية إلى درجة كبيرة.
وأشار طاهر أوغلو إلى أن وزير السياحة محمد نوري أرصوي أكسب خزينة الدولة نحو 12 مليار دولار بفضل ازدهار قطاع السياحة منذ توليه المنصب في 2018، كما برز دور فخر الدين كوجا وزير الصحة خلال مكافحة وباء كورونا، وكذلك خلال تركيزه على عملية تسريع بناء المدن الطبية وتعزيز البنية التحتية للقطاع الصحي.
المصدر: الجزيرة نت