ناشونال إنترست: "تركيا أردوغان" الرابح الأكبر من حرب أوكرانيا
إسطنبول-اقتصاد تركيا
تساءل مارك إيبسكوبوس المعلق في مصالح الأمن القومي بمجلة “ناشونال إنترست” عن الفائز في الحرب الروسية- الأوكرانية وإن كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو الرابح أم لا.
وأضاف أن موضعة أنقرة نفسها بين روسيا والغرب تعطي صورة عن رؤية أردوغان لتركيا وأنها لاعب لا يمكن الاستغناء عنه إن لم تكن دولة عظمى في النظام الدولي المتعدد الأقطاب.
وقال إن الرئيس أردوغان توج أسبوعه من الدبلوماسية الطارئة بإنقاذ اتفاقية الحبوب الأوكرانية المحاصرة بزيادة تشدده حول توسيع الناتو، بشكل لفت الانتباه من جديد إلى مواقف تركيا الدقيقة والمتعددة الاتجاهات في وقت دخلت فيه الحرب الروسية – الأوكرانية شهرها التاسع.
وشكر الرئيس الأوكراني فولودمير زيلينسكي ووزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن أردوغان على دوره في عودة روسيا إلى الاتفاقية بعد تعليقها التعاون. وجاء التراجع الروسي بعد مكالمة يوم الثلاثاء بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وكان الرئيس التركي قادرا على إقناع نظيره الروسي بالعودة لاتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية التي وقعت برعاية من تركيا والأمم المتحدة في تموز/يوليو مقابل ضمانات تخفف القلق الروسي من قائمة طويلة من القلق الأمني واللوجيستي المتعلقة بالاتفاق.
وجاء الدور التركي في إحياء اتفاقية الحبوب في أعقاب إعلان موسكو في تشرين الأول/أكتوبر أنها تريد تحويل تركيا “لمركز غاز طبيعي”.
وقال أردوغان إن “تركيا ستصبح مركزا للغاز الطبيعي أيضا. وفي لقائنا الأخير اتفقنا مع بوتين على هذا الموضوع وسننشئ مركزا إلى جانب الغاز القادم من روسيا”، ولم يتم الكشف عن التفاصيل التقنية المحيطة بالمقترح من الجانب الروسي، حيث تبحث موسكو عن خطوط بديلة لتصدير الغاز الطبيعي وسط تراجع الصادرات إلى أوروبا.
ومدح بوتين أردوغان ووصفه بالحليف الموثوق، عندما سئل الأسبوع الماضي. وقال “من السهل علينا العمل مع تركيا والرئيس أردوغان رجل عند كلمته ومن السهل علينا السيطرة على البحر الأسود”.
ويقول الكاتب إن أردوغان قام وبنجاح كبير بموضعة نفسه كوسيط في حرب أوكرانيا، وخرج عن صف حلفائه في الناتو، مؤكدا على حيادية معتبرة.
وشجبت تركيا مرارا الغزو الروسي لأوكرانيا وقدمت للأخيرة طائرات مسيرة من جيل بيرقدار تي بي2، لكنها ميزت نفسها عن البقية بكونها قوة داعية للتسوية السياسية بين البلدين المتحاربين، وفي وقت ترفض فيه كييف التسوية وكذا بعض القادة الأوروبيين.
واقترح وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو في آب/أغسطس أن بعض دول الناتو “تريد استمرار الحرب”، مشيرا للنهج المختلف تماما بين أنقرة والدول الغربية والمتعلق بالأسئلة المهمة بشأن وقف الحرب في أوكرانيا.
وعززت تركيا من مصداقيتها عندما تعاونت في الشهر الماضي مع السعودية ورعاية صفقة تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا. وفي الوقت الذي يعمل فيه أردوغان على تعزيز موقعه كوسيط سلام، إلا أنه لا يزال واحدا من قلة تقف أمام توسع الناتو وخطط كل من السويد وفنلندا الانضمام للحلف. ووقفت أنقرة أمام عملية وصفها الأمين العام للحلف يانز ستولتنبرغ بأنها “ستكون سريعة جدا”، حيث جعل محاولة البلدين رهينة لمجموعة من المطالب السياسية والأمنية.
وتضم قائمة أردوغان رفع الحظر عن أنقرة وترحيل مواطنين سويديين وفنلنديين متهمين بالإرهاب. وأعلنت الحكومتان السويدية والفنلندية عن استعداد للتعاون في بعض المطالب، حيث عبرت السويد عن استعدادها لرفع حظر تصدير الأسلحة الذي فرضته على أنقرة، لكنهما ترددتا في موضوع تسليم المواطنين الذين تطالب أنقرة بتسليمهم. وقال مسؤول فنلندي في أيلول/سبتمبر إن الحكومة لن تلغي قرارات رفض طلبات ترحيل إلى تركيا، واصفا الأمر بأنه نهائي. وقال تشاوش أوغلو في مؤتمر صحافي بداية الأسبوع مع ستولتنبرغ إن السويد وفنلندا لم تفيا بالتزاماتهما في اتفاق أولي من أجل رفع الفيتو التركي على انضمامهما للناتو. ووافق أردوغان على مقابلة رئيس الوزراء السويدي الجديد أولف كريسترسون لمناقشة الموضوع بشكل أوسع، مؤكدا أن بلاده لن تغير مطالبها. وأخبر محطة إي بي سي نيوز الأمريكية “لم يتغير موقفنا” و”لا تنازل في محاربة الإرهاب ولا نية لدينا لتقديم مزيد من التنازلات”.
ونشر موقع “بلومبيرغ” أنه من غير المرجح موافقة تركيا على طلب السويد للانضمام للناتو بنهاية العام الحالي، مستندا لتصريحات مسؤول مطلع على الموضوع. ولكن فنلندا تقف على أرض ثابتة. وتخطط تركيا للتصويت على الطلبين في نفس الوقت، حسبما قال الموقع.
ويرى الخبراء أن أردوغان لن يتخلى عن ميزته على هلينسكي وستوكهولم قبل الانتخابات الرئاسية الحاسمة في حزيران/يونيو 2023. وأضافوا أن تشدد أنقرة حول طلبي العضوية في الناتو ما هو إلا ستار للحصول على موافقة الولايات المتحدة لبيعها مقاتلات أف-16. وقال المحلل إلهان أوزغيل لقناة “في أو إي”: “تريد استخدام طلب العضوية المقدم من فنلندا والسويد، كورقة مقايضة للحصول على شيء من الغرب”.
وهناك إجماع على أن دبلوماسية أردوغان الذكية في مجال الحبوب والموقف المتشدد من عضوية البلدين الإسكندنافيين في الناتو هي رسالة لتعزيز شعبيته، إلى جانب حسابات أخرى واضحة، وهي أن موضعة أنقرة نفسها بين روسيا والغرب تعبر عن رؤية أردوغان الأوسع، كدولة لا يمكن الاستغناء عنها إن لم تكن قوة عظمى في نظام متعدد الأقطاب. فطموحات أردوغان وهي خليط انتقائي من أيديولوجيات لم تولدها لحظة الحرب الروسية – الأوكرانية في 24 شباط/فبراير، لكن الحرب خلقت مناخا جيوسياسيا مفضلا لأنقرة كي تواصل سياسة خارجية فعالة ومتعددة الأوجه.
ولو استطاعت روسيا تحقيق انتصار سريع وحاسم لما احتاجت لوسيط محايد مثل تركيا لأن الغرب سيعبر عن استعداده للتفاوض المباشر مع موسكو. فالطبيعة طويلة الأمد للنزاع والطبقات السياسية المتعددة له وتداعياته الاقتصادية الواسعة خلقت فرصة فريدة للدبلوماسية التركية وأظهر أردوغان رغبة أنه يريد الاستفادة منها قدر الإمكان.
المصدر: القدس العربي