قطار مرمراي في إسطنبول أعمق نفق للسكك الحديد تحت الماء
اسطنبول-اقتصاد تركيا
أحد أكبر مشاريع البنية التحتية للمواصلات، وأعمق نفق في العالم لأنظمة السكك الحديد المغمورة تحت الماء، يمتد بطول 76.6 كلم ويشتمل على 43 محطة، من محطة هالكلي في الطرف الأوروبي إلى محطة غبزه في الطرف الأسيوي من إسطنبول، ويخترق مضيق البوسفور بعمق يصل إلى 60.46 مترا تحت الماء.
التاريخ
بدأت فكرة نفق للسكك الحديد تحت مضيق البوسفور أول مرة في عام 1860 مع السلطان عبد المجيد، وكانت الخطوة الأكثر واقعية هي المشروع الذي قدمه السلطان عبد الحميد الثاني عام 1892، ثم تم تطوير تصميم مماثل عام 1902، إلا أنه لم يكن من الممكن إنشاء النفق وفقا لتقنيات ذلك الوقت.
ازدادت الرغبة في النفق تدريجيا في أوائل الثمانينيات، ونفذت أول دراسة جدوى شاملة عام 1987، حيث توصلت الدراسة إلى أن بناء النفق ممكن تقنيا ومقدور عليه من حيث التكلفة، ومن ثم اختير المسار الأفضل من بين عدد من المسارات.
وضع المشروع في عام 1997 مرة أخرى على جدول الأعمال، وفي عام 2000 طرحت مناقصة الاستشارات، حيث تم إعداد المواصفات والعقود والمسودات والجدوى والمشاريع الرئيسة وملفات العطاء، ووضع الأساس للمشروع يوم التاسع من مايو/أيار 2004، حيث بدأ تنفيذ المشروع، واستمر العمل عليه مدة 9 سنوات، وفي يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 2013 انتهى العمل فيه فعليا.
وقد كان من المقرر الانتهاء منه في عام 2009، إلا أن العمل تأخر 5 سنوات، ففي عام 2005 عثر على مواقع أثرية تعود لحقبة الإمبراطورية البيزنطية، موجودة في المكان الذي تسير فيه عمليات الحفر، في مناطق أسكودار وسيركيجي ويني كابي، ليوضع الحفر تحت إشراف خبراء الآثار والمتاحف الأثرية.
ويأتي اسم "مرمراي" نسبة إلى بحر "مرمرة" مضافا إلى لفظ "راي" الذي يعني بالتركية سكة حديد.
تمويل المشروع
موّل المشروع بنك جيكا الياباني للتعاون الدولي، وبنك التنمية لمجلس أوروبا، وبنك الاستثمار الأوروبي.
ففي عام 1999 وقعت اتفاقية تمويل بين تركيا والبنك الياباني للتعاون الدولي (JBIC)، وتشكل الاتفاقية أساس التمويل للجزء المار في قاع البوسفور، بالإضافة إلى الخدمات الهندسية والاستشارية، وبموجب الاتفاقية قُدّم قرض بقيمة 12.464 مليار ين ياباني.
كما وقعت الحكومة التركية اتفاقية مع بنك الاستثمار الأوروبي (EIB) عام 2004، بموجبها مُنحت قرضا بمبلغ 650 مليون يورو.
أما الجزء المتبقي من التكلفة البالغ 217 مليون يورو فكان الحصول عليه بموجب اتفاقية وقعت عام 2008 مع بنك التنمية التابع لمجلس أوروبا.
أهميته ومميزاته
يعدّ المشروع أحد أكبر مشاريع البنية التحتية للمواصلات في العالم، حيث يمتلك أعمق نفق أنبوبي مغمور تستخدمه أنظمة السكك الحديد، إذ يقع على عمق 60.46 مترا تحت مياه البوسفور، وعلى امتداد مسافة 1.4 كلم، واصلا بين طرفي مدينة إسطنبول الأوروبي والآسيوي، يقطعها القطار في 4 دقائق.
ويبلغ طول نظام السكك الحديد الذي تمت ترقيته والجديد بالكامل نحو 76.6 كلم، ويشتمل على 43 محطة، كما أن لديه وصلات في محطات مختلفة عن طريق المترو والمتروباص وعبّارات خط المدينة و"الترام واي".
ويعمل خط مرمراي على تأمين رحلة كل 2-10 دقائق، بين محطة غبزه في الجانب الآسيوي ومحطة هالكالي في الجانب الأوروبي، بسعة 75 ألف راكب في الساعة في الاتجاه الواحد، ويمكن للقطار نقل 3056 راكبا في المرة الواحدة.
ويبلغ عدد عربات الرحلة الواحدة 10 عربات، وتختلف قطارات "مرمراي" عن سائر قطارات المترو الأخرى بأن عرباتها ليست مقسمة، أي إن الراكب يمكنه التنقل من أول القطار إلى آخره من دون حواجز.
ويعزو المسؤولون عن المشروع ذلك إلى اعتبارات أمنية، خاصة ليلا عندما يقل عدد المسافرين، فالركاب لن يكونوا معزولين عن بعضهم، وهذا يقوي شعورهم بالأمان، فضلا عن أن السبب الآخر هو منع الازدحام في عربات دون أخرى.
فالمشروع يقدم العديد من المزايا للأشخاص العاملين والمقيمين في إسطنبول، ويقلل من المشاكل المتزايدة بسرعة والمتعلقة بالازدحام المروري في المدينة، ويعمل على ربط نقاط مختلفة من المدينة ببعضها، ليضيف حيوية إلى الحياة الاقتصادية للمدينة.
ومن مميزاته أن الأنفاق ضمن نطاق هذا المشروع صمّمت مقاومة للزلازل بأعلى شدة يمكن توقعها في المنطقة، كما أن النفق معزول عن التماس مع مياه البحر بواسطة طبقة من الإسمنت الخاص والقوي بمسافة 10 أمتار، إضافة إلى تجهيزه بممرات آمنة مجهزة بكل التدابير لمختلف سيناريوهات الطوارئ من زلازل وحرائق.
المحافظة على البيئة والمعالم التاريخية
صمّم المشروع ليوفر فرصة النقل الحضري للمواطنين مع الحفاظ على الحياة البيئية الصحية للمدينة، وذلك باستخدام الطاقة الكهربائية التي لا تلوث البيئة، ومن ثم تنخفض كمية الغازات الملوثة للهواء، فتنخفض نسبة الأمراض الناتجة عن التلوث، كما أن لذلك أثرا إيجابيا في تقليل الاحتباس الحراري، والحد من المشاكل البيئية السلبية مثل الضوضاء والغبار.
وقد حافظت الحفريات في المشروع على المعالم التاريخية للمدينة، فعلى مساحة 58 ألف متر مربع، وتحت 3 أمتار من الماء، أجريت الحفريات تحت إشراف خبراء الآثار والمتاحف الأثرية في إسطنبول، وتم الحصول على بيانات من جميع مراحل الطبقات الأثرية في أوائل العصر العثماني والبيزنطي والروماني، والعصر الحجري الحديث.
وأشارت القطع الأثرية التاريخية المكتشفة إلى قرية كبيرة عمرها 8 آلاف عام، بالإضافة إلى آثار أخرى، فقد غيرت الحفريات تاريخ إسطنبول وأعادته 2500 سنة إلى الوراء، فتاريخ إسطنبول المعروف العائد إلى 6 آلاف عام وصل بفعل الحفريات إلى 8500 عام.
المصدر: مواقع اخبارية