ما قصة قافلة المهاجرين السوريين إلى أوروبا ومن يقف وراءها؟
متابعة اقتصاد تركيا
نقاش كثيف شهدته منصات التواصل في تركيا خلال الأيام الماضية على إثر ظهور حملة غامضة عبر تطبيق المراسلة الفوري "تليغرام" تدعو السوريين للمشاركة في قافلة أطلق عليها "قافلة النور" بهدف التوجه من تركيا إلى أوروبا.
وحتى الآن، لا تُعرف هوية القائمين على الحملة التي تحمل اسم "الهجرة إلى أوروبا.. قافلة النور"، ويقتصر نشاطها على مجموعات في "تليغرام" حيث يقول المؤيدون لها إن عدد المنخرطين فيها ناهز 70 ألفا، ويقدم شخص يسمى "جاد سليم" نفسه باعتباره مؤسس الحملة.
وقالت "الجزيرة نت التي أعدت التقرير أنها لم تتمكن من التحقق من شخصية مطلق الحملة والتي تهدف -وفقا قوله- إلى "تخفيف العبء" عن الشعب التركي والهجرة إلى أوروبا بعد موجة وُصفت بـ"العنصرية" ضد اللاجئين السوريين، بالتوازي مع تراجع أوضاعهم الاقتصادية.
اقرأ المزيد / وزير الداخلية التشيكي: أردوغان فتح أبواب أوروبا أمام السوريين
وبينما يعبّر جاد سليم ومن معه من مؤيدي الحملة عن شكرهم "للشعب التركي والدولة التركية"، الذين "حملونا في قلبهم وروحهم وكانوا سندا لنا وحمونا من القصف"، يطالب هؤلاء دول الاتحاد الأوروبي بـ"تحمل جزء من هذا العبء للتخفيف عن الشعب التركي"، ويدعون جميع الدول لتسهيل حركة التنقل للمهجرين.
وأفاد الناطق الإعلامي باسم القافلة، والذي قدم نفسه للجزيرة نت باسم عبد الله، أن الحملة "بدأت بجهد شخصي من الأخ جاد سليم وتوسعت وأصبحت مبادرة بدون دعم مؤسسات أو سياسيين من أي جهة".
وحول القافلة التي يعتزمون تسييرها من كل الولايات التركية باتجاه الحدود مع أوروبا، أوضح عبد الله أنه تم إنشاء مجموعة خاصة لكل ولاية، ممتنعا عن الإفصاح أكثر لدواعي وصفها بالأمنية.
اقرأ المزيد / لاجئون سوريون في تركيا يشكلون قافلة للوصول إلى أوروبا
ولفت إلى أن القافلة لن تسعى إلى الصدام مع الشرطة خلال المسير، وقال "سنحمل غصن زيتون وورد" مضيفا "نحن لا نريد التحريض أو الإساءة إلى الحكومة والشعب التركيين"، لكن إصرار المسؤولين عن الحملة على منع مشاركة أي سوري من خارج تركيا في القافلة، أثار التشكيك في أهدافها.
وفيما يدعو مؤسس الحملة في الكثير من رسائله إلى ضرورة التواصل مع جميع المنظمات المعنية بتقديم المساعدة للقافلة، إلا أن المتحدث عبد الله قال "وُعدنا بالدعم من منظمات المجتمع المدني عند انطلاق القافلة، وقمنا بالتواصل مع مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، ولكن مع الأسف لم نحصل على رد منهم".
وتعد مجموعة التليغرام المذكورة المنفذ الوحيد الذي يتواصل من خلاله القائمون على الحملة مع الراغبين بالانضمام إليها.
وبعث مسؤولون فيها بالعديد من الرسائل التوجيهية على شكل تسجيلات صوتية وبعضها مصورة، ولكن بعد "تمويه" أصواتهم وصورهم، ما عزز المخاوف بشأن الجهات المجهولة التي قد تقف خلف الحملة برمتها.
في هذه الأثناء، دعت مديرة الاتصال باللجنة السورية التركية المشتركة إيناس نجار، إلى عدم الالتحاق بالقافلة "لأن الجهات التركية تعتبر هذا الأمر مخالفا للقانون"، وقالت في حديث للجزيرة نت "لسنا متأكدين ما إذا كانت ستؤخذ أسماء المشاركين أو أي معلومات عنهم".
وذكرت المسؤولة في اللجنة المشتركة، التي تعد القناة الرسمية للتنسيق بين الحكومة التركية والمعارضة السورية فيما يتعلق بأوضاع اللاجئين، بأن "الطريق ليس معبدا للمغادرة أصلا، ونحن على أبواب الشتاء كما نشهد هذه الأيام افتتاح المدارس". وأضافت نجار "كجهة رسمية من غير الممكن أن ندعم مثل هذه الدعوة، وخاصة أن تركيا موقّعة على اتفاقيات دولية ذات صلة".
واستطلعت الجزيرة نت رأي بعض أعضاء مجموعة التليغرام الرئيسية للحملة حول أسباب انضمامهم. وأكدت إحدى الأعضاء، وتدعى مروة زرزور، أنها تعاني وضعا صعبا ولديها طفلان وتخشى من برد الشتاء في ظل عدم وجود مساعدات. ولفتت زرزور إلى أن زوجها لم يتمكّن من العمل في مكان واحد بصورة مستمرة "بسبب المشاكل المرتبطة بالعنصرية".
أما "د.ع" التي طلبت عدم الكشف عن اسمها، فقد ذكرت للجزيرة نت أنها ليست معنية بالالتحاق بالقافلة، إلا أنها جاءت لتتحقق من الأمر بعدما سمعت به لكي تُطلع شقيقها الذي ينوي الهجرة على ما ستتمخض عنه هذه الحملة.
من جهته، قال أحد الشبان، ويدعى مصطفى، عن سبب انضمامه إلى المجموعة، إنه "لمتابعة الأخبار فقط والاطمئنان على وضع الشباب". وأوضح أنه حاصل على الجنسية التركية.
واعتبرت إيناس نجار، مدير الاتصال في اللجنة السورية التركية المشتركة، أن "الأعداد المتزايدة في المجموعة هي تعبير عن الغضب تجاه الأوضاع الصعبة التي يعيشها اللاجئون هنا، لكن هذا يجعل العنصريين يلمسون بأن مساعيهم بدأت تثمر". وأضافت "هذه الدعوات تصب في مصلحة العنصريين لا اللاجئين، فهي لا تؤدي إلى أي نتائج ملموسة".
أما غزوان قرنفل، رئيس "تجمع المحامين السوريين الأحرار" ومقره مدينة غازي عنتاب التركية، فيرى أن الدول الأوربية وخاصة بلغاريا واليونان اتخذت إجراءات صارمة على حدودها بما لا يسمح بعبور القافلة.
ولفت إلى أن مجموعات صغيرة قد تتمكن من العبور "لكن ليس بالأعداد المتداولة". وشدد على أن قيمة الحملة وأثرها "إعلامي أكثر مما هو واقعي وملموس".
ولفت المحامي إلى أن عدة أسباب تدفع السوريين للانخراط في الحملة، من بينها "خطاب الكراهية والجرائم العنصرية" التي صارت تحصد الأرواح، هذا بجانب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي لم تعد تتيح للسوري إمكانية سداد إيجار شقته رغم عمله لساعات طويلة، وبشكل غير قانوني أحيانا، ما يجعله عرضة للترحيل أيضا، على حد تعبير المحامي.
من جهته، يعتقد الناشط المدافع عن حقوق اللاجئين طه غازي، أن إعلان الحكومة التركية عن مشاريع العودة الطوعية أثار الخوف لدى المجتمع السوري اللاجئ بشكل عام، وخاصة الفارين من المحافظات السورية الداخلية.
ولفت غازي في حديث للجزيرة نت، إلى أن "هذه الفئة من اللاجئين باتت تخشى أن يتم شملها بمشاريع العودة الطوعية وتوطينها في مناطق الريف الشمالي والتي لا تمثل موطنها الأصلي".
في الوقت نفسه، رجّح الناشط الحقوقي بأن الأجهزة الحكومية التركية لن تسمح بوصول القافلة إلى الحدود مع الاتحاد الأوروبي، "لأنه سيشكل عبئا داخليا وظاهرة تستلزم إيقاف إذن السفر بشكل كامل تقريبا وهو ما أستبعده تماما".
وفي حين أشار إلى التزام تركيا باتفاقية 2016 مع الاتحاد الأوروبي والقاضية بأن تحتفظ باللاجئين السوريين على أراضيها وتمنعهم من التوجه غربا، مقابل التزام أوروبي بإرسال حزمة مساعدات لتركيا، استبعد غازي تحقيق حملة "قافلة النور" هدفها.
وقال "لا أرى فرصة ممكنة لنجاح هذه الحملة، لا سيما أنها خارج نطاق عمل هيئات ومنظمات الأمم المتحدة". ورأى أنها "قد تأخذ صدى إعلاميا، لكن سيتم التعامل معها بكل صرامة ولن يتم السماح لها بمواصلة طريقها".
المصدر : الجزيرة