«فنجان القهوة» ضحية للتضخم وتغير المناخ
القاهرة-اقتصاد تركيا
اعتاد إسحاق صبحي، الذهاب إلى منطقة وسط القاهرة، أسبوعياً، لشراء احتياجاته من البن، غير أنه لجأ إلى شراء كميات أكبر، بعد ملاحظته ارتفاع أسعار البن بوتيرة متسارعة: «أكبر مشكلة قد تعكر صفو يومي هي نفاد مخزون البن من منزلي».
ومهما اختلفت ثقافات الشعوب وعاداتها في احتسائه، يظل «فنجان القهوة» عنواناً لفكرة «المزاج» والاستمتاع بالحياة، لكنه يواجه حالياً خطراً كبيراً نتيجة تراجع إنتاجه عالمياً، وارتفاع أسعاره بسبب التغيرات المناخية والتضخم العالمي.
وفي مصر، أثارت تصريحات حسن فوزي رئيس شعبة البن بالغرفة التجارية بالقاهرة، بشأن قرب اختفاء البن من الأسواق، جدلاً واسعاً، بعدما لمح في تصريحات صحافية إلى «قرب انتهاء مخزون البن في البلاد، بالتزامن مع وجود صعوبة في إجراءات استيراد البن من الخارج، نتيجة عدم القدرة على تدبير العملة الصعبة (الدولار الأميركي يعادل 19.4 جنيه مصري) وتمسك الجهات المعنية بالتعامل مع الاعتمادات المستندية».
ومع استمرار ارتفاع أسعار البن اضطر الشاب المصري إسحق صبحي، الذي يعيش في منطقة التبين (جنوب القاهرة)، إلى شراء كميات أكبر من البن، فهو يرتبط بفنجان القهوة، وهو ما يجعله يذهب مرة كل أسبوع لشراء احتياجاته من متاجر البن المنتشرة بوسط القاهرة بعد أن ينهي مناوبة عمله في إحدى شركات الأدوية بمدينة نصر (شرق القاهرة)، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكنني الاستغناء عن البن، فهو مشروبي الرئيسي صباحاً ومساء وخلال أوقات العمل».
تحذير سعودي إلى العالم بشأن السيارات الكهربائية
وحذرت دراسة لمنظمة القهوة العالمية (ICO) في فبراير (شباط) الماضي من استمرار انخفاض إنتاجية البن عالمياً، مؤكدة أن «مزارعي البن في بعض البلدان المنتجة مثل البرازيل، وكولومبيا، وكوستاريكا، والسلفادور، يتكبدون خسائر في الفترة الأخيرة، وأن زراعة البن أصبحت أقل ربحية بمرور الوقت بسبب زيادة تكاليف الإنتاج».
وقال الدكتور محمد فتحي سالم، الخبير الزراعي، المستشار السابق لمنظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة (فاو) لـ«الشرق الأوسط» إن: «التغيرات المناخية هي السبب الرئيسي في تراجع إنتاجية محصول البن على مستوى العالم، فارتفاع درجات الحرارة له تأثير سلبي، كما أن هذه التغيرات سوف تغير خريطة الإنتاج العالمية مستقبلاً، إذ إن محصول البن يجب أن يُزرع في أرض يبلغ ارتفاعها عن سطح البحر ما بين 1200 و1600 متر، ويتوقع أن ينخفض الإنتاج العالمي خلال سنوات قليلة بنسبة 50 في المائة».
ويبلغ الإنتاج العالمي من البن نحو 10 ملايين طن سنوياً وفق سالم، و«تحتل البرازيل قائمة الدول الأكثر إنتاجاً، حيث تنتج ما بين 30 و32 في المائة من الإنتاج العالمي، تليها فيتنام 18 في المائة، ثم كولومبيا وإندونيسيا بنسبة 8 في المائة لكل منهما، وإثيوبيا 6 في المائة، وتنتج دول أخرى نسباً أقل منها أوغندا والهند والمكسيك».
مهندس سوري يقدم 12 نصيحة لترشيد استهلاك الكهرباء
ويحتفل العالم باليوم العالمي للقهوة في 1 أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام، وهو الموعد الذي أقرته المنظمة الدولية للقهوة، غير أن الكثير من الدول لديها يوم وطني للقهوة يتم الاحتفال به محلياً.
أحمد الأسيوطي، مصري يقيم بالإمارات العربية المتحدة، يحرص بشكل دائم على وجود مخزون البن في منزله، حيث يقيم بحي البرشاء هايتس في دبي.
ويقول الأسيوطي لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكنني أن أبدأ يومي أو الذهاب للعمل قبل احتساء فنجان القهوة، بالطبع لاحظت ارتفاع الأسعار في الفترة الأخيرة سواء بالنسبة للبن الذي أشتريه من المتاجر القريبة من المنزل، أو الذي أحتسيه في أي مطعم، وشعرت بالقلق عندما سمعت عن وجود أزمة عالمية في الإنتاج، كيف يمكنني أن أتعامل مع الناس والحياة من دون فنجان القهوة».
بينها عربيتان.. أكبر 20 دولة تملك احتياطي ذهب.. أين تركيا؟
ويستهلك المصريون نحو 70 طناً من البن سنوياً، وفق تصريحات صحافية لحسن فوزي رئيس شعبة البن بالغرفة التجارية بالقاهرة، ويرتبط فنجان القهوة لدى المصريين بفكرة «المزاج» والاستماع بالحياة و«الحكي» حيث أصبح مكوناً رئيسياً من مكونات الفلكلور المصري، وفقاً للدكتورة أمينة سالم، أستاذ الأنثربولوجي والفلكلور بجامعة حلوان، والتي تقول لـ«الشرق الأوسط» إن «القهوة ارتبطت بالكثير من مفردات الفلكلور المصري، وتحولت إلى رمز لفكرة (المزاج) فمثلاً السبرتاية -موقد صغير يعمل بالكحول- تفتح مجالاً للحكي والفضفضة خلال استغراق القهوة وقتاً لتنضج، وهي جزء من الثقافة الشعبية».
وأشارت سالم إلى أن «القهوة تداخلت مع الكثير من العادات الاجتماعية المصرية، حيث يتناولها الناس سادة في العزاء رمزاً للحزن والمرارة، كما ارتبطت بالسحر فيما يعرف بـ(قراءة الفنجان)، وأيضاً استُخدمت في أغراض طبية، فعندما يُجرَح شخص يتم وضع بعض البن على جرحه لإيقاف النزيف».
المصدر: الشرق الأوسط