حقيقة أم سوء فهم؟

إحياء غامض لنزع ملكيات السوريين في تركيا يثير الارتياب

يصل عدد السوريين في تركيا إلى نحو 3.6 ملايين شخص

يصل عدد السوريين في تركيا إلى نحو 3.6 ملايين شخص

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

إسطنبول-اقتصاد تركيا

لغط واستياء وغموض... هكذا بدا الأمر مع انتشار معلومات تفيد بأن موظفي إدارة "الطابو" التركية، بدأوا منذ الأسبوع الماضي، بالحصول على تعهدات من السوريين الذين يشترون عقارات في تركيا بتطبيق بنود قانونية قديمة وقرارات حكومية تعود إلى عشرات السنين الماضية تنص على أن يؤول العقار المملوك للسوري المجنس، إلى خزينة الدولة التركية في حال وفاته دون وجود ورثة يحملون الجنسية التركية، أو التنازل عن الجنسية أو سحبها أو سقوطها لأي سبب من الأسباب.

فقد أثارت هذه المعلومات استياء كبيراً في أوساط السوريين المقيمين في تركيا لاسيما الحاصلين على جنسيات تركية، لتنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلات مصورة لسوريين يؤكدون مطالبة إدارة "الطابو" لهم بالتوقيع على تعهد يقضي بالتنازل عن العقار "إذا اقتضى الأمر" وفق الاشتراطات السابقة وهو ما أكده أصحاب شركات عاملة في الوساطة العقارية ومواطنون في تصريحات لـ"العربي الجديد".

لا موقف حكومي

بينما يلف الصمت والغموض الموقف الحكومي حتى الآن، فيما أرجع مصدر في حزب العدالة والتنمية الحاكم تفعيل بعض إدارات "الطابو" قوانين التنازل عن الملكية إلى "سوء فهم وربما وقوف جهات معارضة وراء الأمر بهدف الإساءة إلى الحكومة التركية والاقتصاد والاستثمار العقاري خاصة بعد أن حققت البلاد نمواً كبيراً رغم تداعيات جائحة فيروس كورونا".

يقول سمير دشلي، مقيم سوري في ولاية مرسين ويعمل في مجال الوساطة العقارية، إنه وأربعة مكاتب عقارية في الولاية، أرجأوا عمليات شراء من قبل سوريين وتوثيق ملكيات، ريثما تتضح ملابسات ما يحدث في دوائر الطابو، موضحا أن  "موظف الطابو في الولاية طلب منا التريث ريثما يأتي توضيح من أنقرة".

اقرأ أيضا| صحيفة: حماس تطلب وساطة تركيا ومصر لوقف مصادرة عقارات فلسطينيين

لكن مصادر متطابقة تشير إلى أن الحكومة التركية، أعادت تطبيق قانون صدر عام 1927 يتيح لها منع السوريين من تملك العقارات، ووضع يدها على ممتلكات من أسقطت الجنسية عنهم من ذوي الأصول السورية أو توفوا دون وجود ورثة يحملون الجنسية التركية، وهو ما تعزز عام 1966 حينما صادرت تركيا جميع ممتلكات السوريين غير المنقولة عبر مرسوم دخل حيز التنفيذ بناءً على "مبدأ المعاملة بالمثل" رداً على "قانون إصلاح الأراضي" الذي أدخلته سورية حيز التنفيذ عام 1962 ويقضي بنقل ملكية العقارات العائدة للمواطنين الأتراك في سورية إلى الدولة من دون دفع أي مقابل.

لم تقتصر حالة الارتباك على دوائر "الطابو" في ولاية مرسين، وإنما امتدت إلى ولايات عدة وفق وسطاء عقاريين تتشابك تعاملاتهم بشكل مباشر مع هذه الدوائر.

في إسطنبول قال عمير شعبان، مدير شركة "دارنا" العقارية: "أوقفنا جميع عمليات الشراء وتوثيق الملكية، هذه القرارات قديمة، فلماذا أعيدت اليوم.. لا ندري لماذا؟"، مضيفا: "نرجح حدوث تدخل حكومي لتوضيح الأمر وإيقاف طلب توقيع السوريين المجنسين على ورقة التنازل عن ملكية عقاراتهم".

في المقابل قال ماجد نكدلي، مدير شركة "ريتال" العقارية والقانونية في إسطنبول، إن "أي سوري حصل على الجنسية التركية، تملك على أساس أنه تركي وليس سورياً، ومن الطبيعي في حال فقد الجنسية، لسبب أو لآخر، ستسحب ملكيته وتؤول للخزينة العامة، لأن السوريين أصلاً ممنوعون من التملك في تركيا منذ عام 1927".

ويعتبر سوريون أنهم محظوظون لتوثيق ملكيتهم قبل بدء بعض دوائر الطابو في إلزامهم بتوقيع تعهد التنازل، منهم محمد حسين، وهو مواطن سوري حاصل على الجنسبية التركية الذي قال لـ"العربي الجديد" إنه اشترى منزلاً في منطقة نيزب في غازي عنتاب ووثق ملكيته قبل طلب دائرة الطابو توقيع المالك المجنّس على التنازل.

هواجس

وقال حسين "الأمر بدأ كشائعة منذ خمسة أشهر، لكن دوائر الطابو بدأت العمل به قبل أيام"، مضيفا "اشتريت منزلاً وحصلت على قرض كوني تركيًا، لكن الوساوس تسكنني لأننا لم نحصل على توضيح، هل نحن المتملكين قبل 21 سبتمبر/أيلول الجاري، نجونا من التوقيع على وثيقة التنازل، أم يمكن استدعاؤنا ونوقع؟".

من جانبه، قال حسن محمد، مدير إحدى الشركات العقارية في منطقة أسينيورت في إسطنبول، إن موظفي إدارة "الطابو"، بدأوا منذ الأسبوع الماضي بالحصول على تعهدات من السوريين بتطبيق قانون التنازل عن الملكية، الذي ينص على أن يعيد السوري المجنس العقار الخاص به إلى خزينة الدولة في حالتين، الأولى خلال حدوث وفاة للشخص المورث دون وجود ورثة يحملون الجنسية التركية، والثانية في حال تنازل الشخص عن الجنسية أو سحبها أو سقوطها لأي سبب من الأسباب.

اقرأ أيضا| أكبر شركة عقارية في تركيا تستعد لطرح 35 ألف شقة في السوق

وحاولت "العربي الجديد" تقصى آراء القانونيين حول الأمر، وقال الخبير القانوني وليد الكردي، إن القانون التركي يسمح للسوريين وغيرهم من الحاصلين على الجنسية أو الأتراك، بالتخلي عن العقارات للحصول على جنسية أخرى، وذلك وفق المادة 25 من قانون المواطنة التركي رقم 5901.

وحول إسقاط الجنسية، يضيف الكردي أن "المادة 29 من قانون المواطنة التركي، تجيز إسقاط الجنسية التركية إذا ثبت أداء حاملها خدمات لدولة أجنبية لا تتوافق مع مصالح تركيا، أو أداء الخدمة العسكرية التطوعية لصالح حكومة دولة أجنبية دون إذن، كما تسقط الجنسية عن المواطنين قيد التحقيق أو المقاضاة بسبب الجرائم المتعلقة بتهديد أمن الدولة، والمخلة بالنظام الدستوري وعمله، وذلك وفق قانون العقوبات التركي رقم 5237 بتاريخ 26 أيلول 2004".

لكن المحامي الكردي أكد أن "السوريين في تركيا، خصوصا الحاصلين على الجنسية بعد عام 2011، حصلوا عليها بشكل استثنائي، حيث ارتأت الحكومة منحهم الجنسية لأمر ضروري اقتصادياً كان أو إنسانياً أو بسبب مكانتهم الاجتماعية أو وضعهم العلمي، لذا قد تكون مخاوف السوريين اليوم، نظراً لما يشاع عن إمكانية سحب الجنسية في حال تغير نظام الحكم في تركيا أو لاقى قرار سحب الجنسية أغلبية برلمانية".

إثارة البلبلة

وهناك من يرى أن هناك محاولات لإثارة البلبلة والارتباك في السوق العقارية بشكل خاص والاقتصاد التركي بشكل عام عبر إعادة تفعيل بنود قانونية قديمة تتيح نزع ملكية السوريين في هذا الوقت، رغم أن هذا الأمر طي الأدراج منذ سنوات طويلة، ما تظهر البيانات الرسمية أن عدد السوريين الحاصلين على الجنسية التركية لا يتجاوز 3% من إجمالي المقيمين في تركيا، فضلا عن أنهم لا يتواجدون بالأساس في قائمة الجنسيات الأجنبية التي تمتلك عقارات في تركيا وتضم 20 جنسية.

ويصل عدد السوريين في تركيا إلى نحو 3.6 ملايين شخص، يبلغ عدد الحاصلين منهم على الجنسية التركية، بحسب أحدث البيانات الحكومية، نحو 110 آلاف شخص، 53 ألف شخص منهم بالغ و57 ألف طفل.

ولا يتصدر السوريوين قوائم الأجانب بشراء العقارات في تركيا، رغم أن هذا القطاع يمثل عنصراً مهماً في الاستثمارات المباشرة في تركيا، وإن 70% من هذه الاستثمارات تتمثل في الاستثمار العقاري.

وبحسب هيئة الإحصاء التركية (حكومية)، زادت مبيعات العقارات حتى النصف الأول من العام الجاري، بنسبة 24.9% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2020، بعد بيع 15 ألفا و740 وحدة سكنية.

وتصدرت الجنسية الإيرانية مشتريات العقارات السكنية في حين حل العراقيون في المرتبة الثانية عالمياً والأولى عربيا، وجاءت الجنسية الروسية في المرتبة الثالثة، لتخلو قائمة أعلى 20 جنسية حول العالم شراءً للعقارات السكنية في تركيا من السوريين، في حين حضرت 8 دول عربية ضمن القائمة هي العراق واليمن والأردن والكويت وفلسطين ومصر ولبنان والسعودية.

سوء فهم؟

وحاولت "العربي الجديد" التواصل مع مسؤول حكومي كبير للحصول على تعليق بشأن إحياء تفعيل "وثيقة التنازل" وفق ما يقول عاملون في السوق العقاري ومسؤولون في بعض إدارات "الطابو" الرسمية، إلا أنه لم يرد على الرسائل التي جاءت عبر تطبيق "واتس آب".

لكن عضوا في حزب العدالة والتنمية الحاكم، طلب عدم ذكر اسمه، قال لـ"العربي الجديد" إن "سوء فهم قد تم نتيجة تفعيل بعض دوائر الطابو، لقانون قديم صادر منذ عام 1966 وقت ردت تركيا على سورية بالمثل حين حجزت دمشق أملاك الأتراك، والحكومة الآن عاكفة على توضيح الملابسات وسيصدر قريباً توضيح واف وشامل".

وأضاف: "الحالات التي تصادر فيها عقارات السوريين بعد حصولهم على الجنسية نادرة، وتنحصر في عدم وجود ورثة أتراك للمالك بعد وفاته، أو في حالة إثبات عمالته للخارج وسحب الجنسية منه لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وعدا ذلك لا يمكن مصادرة أموال أحد والقانون يحمي الجميع".

وحول لماذا تم إحياء هذا القانون اليوم رغم أن السوريين المجنسين لم يوقعوا على وثيقة التنازل بالسابق، قال :"لا أستبعد أن يكون تحريك بعض دوائر الطابو للقانون القديم، جاء بهدف الإساءة للحكومة التركية والاقتصاد والاستثمار العقاري، الذي يشهد نهضة بعد عام كورونا"، مضيفا "الأحزاب المعارضة لا تتوانى عن زج كل ما هو خلافي خلال هذه الفترة، لخلق اضطرابات واستغلال الشارع قبل الانتخابات، عبر الترويج أن السوريين الذين جاؤوا لاجئين باتوا يمتلكون ويجب مصادرة ممتلكاتهم".

محمية بقوة القانون

وتابع: "استثمارات السوريين وسواهم، مصونة بقوة القانون، خاصة من استثمر بعد قانون عام 2012، وليس من داع للمخاوف لأن السوري المجنس لديه جواز سفر وبطاقة تركية، وسيتم إنهاء هذا الإشكال وسوء الفهم قريباً".

بدوره، قال المحامي التركي، خليل أرسلان لوسائل إعلامية تركية " على الرغم من أن هذه القرارات نفذت بطريقة صارمة جدًا في تلك السنوات، إلا أن التنفيذ كان أقل صرامة في السنوات اللاحقة".

وأضاف: "هذا الموضوع ظهر فعليًا مع قانون إصلاح الأراضي الذي أدخلته الدولة السورية حيز التنفيذ عام 1962 ويقضي بنقل ملكية العقارات العائدة للمواطنين الأتراك في سورية إلى الدولة من دون دفع أي مقابل، وعلى خلفية هذه الخطوة، صادرت الجمهورية التركية جميع ممتلكات السوريين غير المنقولة في تركيا عبر مرسوم دخل حيز التنفيذ عام 1966 بناءً على مبدأ المعاملة بالمثل، وبموجب هذا المرسوم، صادرت الخزانة التركية حقوق جميع الأشخاص الحقيقيين والاعتباريين من الجنسية السورية في التصرف بحرية في ممتلكاتِهم غير المنقولة في تركيا".

المصدر: العربي الجديد

×