ما هو السر في تفوق قطاع الرعاية الصحية التركي؟

مليح التنوك

مليح التنوك

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

انهارت مؤخراً في العديد من الدول، أنظمة الرعاية الصحية تحت ثقل الوباء العالمي المتفشي في معظم أرجاء المعمورة. ولا نقصد هنا دول العالم الثالث أو إفريقيا. بل الدول التي تشكل "القوى العظمى" التي دبت الفوضى والعجز في مستشفياتها مثل الولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة.

كما تحولت "الاقتصادات العملاقة" التي ادعت أنها دول ذات نظام اجتماعي قوي ونظام رعاية صحية تديره الشركات الضخمة على مدى سنوات، إلى دول التخبط وعدم التنظيم الأرعن.

ومع دهشتنا الشديدة أصبحنا ندرك اليوم أن "العالم المعاصر" أو ما يعرف بـ "الغرب"، ما هو إلا نمر من ورق يفشل حتى في تلبية الحد الأدنى من احتياجات طواقمه الطبية، مثل توفير الأقنعة والملابس الواقية، مما أجبرهم على ارتداء أكياس القمامة أمام الملأ.

بل حدث في الواقع أكثر من هذا، لدرجة أن العديد من الدول الأوروبية باتت تطلب من مواطنيها المصابين عدم التوجه إلى المستشفيات، وترجو منهم الاعتناء بأنفسهم في المنزل. كما يتم التضحية بالمرضى الفقراء ومنخفضي الدخل لأن الاختبارات والعلاجات تتطلب دفع الأموال. كذلك ظهر عدم التناسب بين أعداد الإصابات والوفيات للمواطنين السود وغيرهم من الأجناس الأخرى في الولايات المتحدة في مستويات مقلقة.

أما تركيا التي تنتظر على أبواب الاتحاد الأوروبي منذ سنوات، فقد اتخذت إجراءات أكثر تنظيماً لمواجهة هذه الأزمة.

حتى إن الدولة تقدم أقنعة واقية للمواطنين في المنازل. كما لا يوجد أي نقصٍ في المستشفيات ولا في المعدات. علاوة على ذلك، أرسلت تركيا ولا تزال ترسل المساعدات إلى العديد من البلدان، وخاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيطاليا.

ويشير وزير الصحة فخر الدين قوجه، الذي ترك انطباعاً إيجابياً قوياً بأدائه الشفاف والمتوازن منذ بداية الأزمة، بوضوح إلى الوضع بقوله: "إن عدد مرضى العناية المركزة والمرضى المحتملين يتناقص، في حين أن عدد المرضى الذين يتعافون يرتفع بزيادة سريعة. لدينا القوة والإمكانيات لخدمتكم. لا تتأخروا عن تلقي العلاج. فالتأخير يمكن أن يسبب الالتهاب الرئوي. نحن لسنا إسبانيا أو الولايات المتحدة، ولدينا القدرة على التداخل الطبي في وقت مبكر من المرض، وإذا كنت على اتصال بشخص تم تشخيصه بالفيروس، فلا تضيع أي وقت".

كذلك تم افتتاح مستشفيات جديدة في تركيا في الشهرين الماضيين، حيث وصل معدل إشغال العناية المركزة الآن إلى 60%. وتبلغ المساحة الداخلية في مستشفى مدينة "باشاك شهير" الطبية وحده، والذي تم افتتاحه في وقت سابق من هذا الأسبوع، حوالي 1 كيلومتر مربع بسعة 2.682 سريرا. وتخطط الحكومة لفتح ثمانية مستشفيات أخرى ضخمة في وقت لاحق من هذا العام.

كما بدأ أيضا إنتاج أعداد ضخمة من أجهزة التنفس التركية، بتصنيع محلي يستغرق أقل من 14 يوماً، في وقت سابق من الأسبوع الماضي.

ولم تأتِ هذه الوتيرة الهائلة من الإنجازات بالطبع نتيجةً للجهود المبذولة في أيام الوباء وحدها. نحن نتحدث عن نتائج إصلاح شامل لقطاع الرعاية الصحية الذي بدأه الرئيس رجب طيب أردوغان منذ توليه السلطة في عام 2002.

لا يوجد أحد في البلاد اليوم محروم من الاستفادة من خدمات الرعاية الصحية، بما في ذلك العاطلون من العمل والذين ليس لديهم أي ضمان اجتماعي.

واسمحوا لي أن أقدم مثالاً آخر على كيفية تبني أنقرة الجادَّ لقطاع الرعاية الصحية. لقد نُشرت "خطة التحضير الوطنية للجائحة" في أبريل 2019. حيث بدأت الاستعدادات منذ ذلك الحين للتصدي لوباء متوقع هو جائحة الإنفلونزا، وليس فيروس كورونا المستجد. ومع ذلك، نجحت التدابير المتخذة منذ عام مضى في علاج وباء كوفيد-19 أيضاً.

إن ثورة الرعاية الصحية في تركيا جديرة بأن تُختبر عن كثب ويتم تعلم الدروس منها، لمكافحة الأوبئة الحالية والمستقبلية.

المصدر: ديلي صباح

×