المياه الاقتصادية الفلسطينية... صراع جديد بين مصر وتركيا

صورة تعبيرية

صورة تعبيرية

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

إسطنبول-اقتصاد تركيا والعالم

ذكرت صحيفة عربية في لندن عن مصادر وصفتها بالخاصة كشفها عن حلقة جديدة من حلقات الصراع بين تركيا ومصر، متعلقة بمناطق الغاز في شرق المتوسط.

وبحسب المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ القاهرة وجهت تحذيرات شديدة اللهجة للسلطة الفلسطينية أخيراً، بعد معلومات استخبارية وصلتها بشأن انخراط الجانب الفلسطيني في مفاوضات متقدمة وغير معلنة مع تركيا، متعلقة بالتوصل إلى اتفاق خاص بترسيم الحدود البحرية، وإمكانية الحصول على حقّ تطوير حقل غزة مارين للغاز (قبالة ساحل قطاع غزة)، في إطار العلاقات الجيدة التي تربط أنقرة بالقوتين الكبريَين في فلسطين، حركتي "فتح" و"حماس"، في الوقت الراهن.

وأوضحت المصادر أنّ المباحثات التي جرت أخيراً، سواء مع وفد "حماس" في القاهرة، وكذا الوفد الذي سبقه من السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" بقيادة جبريل الرجوب، لم تقتصر المناقشات خلالها على الجوانب المتعلقة باتفاقات التطبيع الأخيرة، والدخول التركي على خط ملفات القضية الفلسطينية المعنية بها القاهرة والتي يأتي في مقدمتها ملف المصالحة الداخلية، لا سيما بعد استقبال تركيا وفدين قياديين من الحركتين.

وقالت المصادر إنه في إطار الصراع الدائر بين مصر وتركيا، في ما يتعلق بمناطق النفوذ في شرق المتوسط، "وتوجيه القاهرة ضربة مؤلمة لأنقرة"، على حدّ تعبير المصادر، في ما يتعلق بتوقيع اتفاقية المياه الاقتصادية مع اليونان، سعت تركيا أخيراً للضغط على مصر من اتجاه آخر، بحثاً عن موضع قدم جديد، عبر بحث إمكانية التوصل لاتفاقية خاصة بترسيم حدود المياه الاقتصادية مع السلطة الفلسطينية، على غرار تلك الموقّعة بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، بخلاف إمكانية ضخ استثمارات تركية في حقل غزة مارين.

وحصلت فلسطين على صفة مراقب، كدولة غير عضو في الأمم المتحدة عام 2012، وهو ما أتاح لها أن تكون عضواً في الاتفاقيات الدولية التابعة للأمم المتحدة، والتي يأتي في مقدمتها اتفاقية قانون البحر، مما منحها حق ترسيم الحدود البحرية مع الدول التي تشاركها نفس الشواطئ.

"قطع الطريق"

وبحسب المصادر المصرية الخاصة التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ القاهرة واستناداً لما تملكه من نفوذ ودور تاريخي في الملف الفلسطيني، تدخلت أخيراً لقطع الطريق أمام أنقرة، ولتأمين نفوذها في تلك المنطقة، عبر بدء مشاورات مع الجهات المعنية في السلطة الفلسطينية بشأن إمكانية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وفلسطين. إلا أنّ المصادر تحدثت عن أنّ هناك بعض المخاوف التي تؤرق الجانب المصري، الذي بات يجد نفسه مجبراً لتوقيع مثل تلك الاتفاقية لإغلاق الباب أمام تركيا، موضحةً أنّ القاهرة تخشى من انتقال تبعية أجزاء خاضعة لسيادتها حالياً إلى فلسطين الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي.

وتحدثت المصادر عن صعوبة إتمام تلك الاتفاقية من الجانب المصري في وقت قريب، مرجحة اعتماد القاهرة على سياسة النفس الطويل، بحيث تضمن قطع الطريق على تركيا، وفي الوقت نفسه تضمن عدم توقيع أي اتفاقيات في الوقت الراهن بما يجنبها أي خسارة سياسية واقتصادية.

"لم تأخذ طابع الجدية"

من جانبه، تحدث مسؤول فلسطيني اقتصادي لـ"العربي الجديد"، عن أنّ المشاورات مع الجانب المصري في الوقت الراهن لم تأخذ بعد طابع الجدية، مضيفاً: "لا يمكن القول إن هناك إرادة سياسية قوية من الجانب المصري لتوقيع مثل هذا الاتفاق".

واكتُشف حقل "غزة مارين" للغاز في أواخر التسعينيات، وظلّ من دون تطوير أو استغلال. فقد قامت السلطة الفلسطينية عام 1999 بمنح عقد حصري لمجموعة "بي جي" البريطانية وشركة اتحاد المقاولين "سي سي سي" المملوكة لفلسطينيين للتنقيب عن الغاز في بحر غزة. ومع بدء عمليات البحث والتنقيب التي لم تستغرق طويلاً من قبل الشركتين المطورتين، اكتشف حقلان من الغاز على بعد 30 كيلومتراً من شواطئ غزة وعلى عمق 600 متر تحت سطح البحر. وأطلق على الحقل الأول اسم "غزة مارين"، ويقع كلياً ضمن المياه الإقليمية الفلسطينية قبالة مدينة غزة. أمّا الحقل الثاني، فهو الحقل الحدودي "مارين 2"، والذي يقع ضمن المنطقة الحدودية البحرية بين قطاع غزة والمناطق المحتلة إسرائيلياً.

وحددت الشركة البريطانية الكمية الموجودة من الغاز في بحر غزة بحوالي 1.4 تريليون قدم مكعب، أي ما يكفي قطاع غزة والضفة الغربية لمدة 15 عاماً، حسب معدلات الاستهلاك الحالية.

وفي إبريل/نيسان 2018، توصّل "صندوق الاستثمار الفلسطيني" إلى اتفاق مع شركة النفط الأوروبية "شل"، بشأن خروجها من رخصة تطوير حقل "غزة مارين"، الذي تقدر احتياطاته بتريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي. وأوضح الصندوق أنّ هذا الاتفاق يأتي ضمن الترتيبات الجديدة لتطوير الحقل. وصادق مجلس الوزراء الفلسطيني على خروج الشركة الأوروبية من الرخصة، واستبدالها بتحالف جديد يتكون من "صندوق الاستثمار الفلسطيني" وشركة اتحاد المقاولين الفلسطينية، بحيث تكون حصة التحالف الجديد في رخصة الحقل 55 في المائة، أي بنسبة 27.5 في المائة لكل منهما، على أن يتم تخصيص 45 في المائة لشركة عالمية مطورة يتم اختيارها والمصادقة عليها من قبل مجلس الوزراء.

يذكر أنه في العشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، التقى وفدان رفيعا المستوى من حركتي "فتح" بقيادة جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" والسلطة الفلسطينية، و"حماس" بقيادة نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري، في تركيا للتباحث بشأن المصالحة الداخلية. وهو اللقاء الذي تسبب في غضب مصري، قبل أن يتوجه بعدها الرجوب إلى القاهرة للقاء رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل في 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في زيارة تخللها حديث بشأن مسألة ترسيم الحدود البحرية وما دار في اجتماعات تركيا. وفي الربع الأخير من أكتوبر الماضي، استقبلت القاهرة وفداً قيادياً من "حماس" بقيادة العاروري، في لقاء كان من بين أسبابه هو السيطرة على غضب القاهرة بعد الدخول التركي على خط المصالحة الداخلية، وتطرق اللقاء أيضاً للحديث بشأن مسألة ترسيم الحدود البحرية ومساعي تركيا في هذا الإطار.

المصدر: العربي الجديد

×