تحليل: حسابات خاطئة لليونان تُقرب تركيا ومصر بشرق المتوسط

فرص تقارب أنقرة والقاهرة أمرا ممكنا رغم تعقيدات سياسية-أرشيفية

فرص تقارب أنقرة والقاهرة أمرا ممكنا رغم تعقيدات سياسية-أرشيفية

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

"على هامش المباحثات بين وزيري خارجية مصر واليونان، سامح شكري ونيكوس دندياس، عُقدت الجولة الثانية عشرة من المفاوضات الفنية حول مسألة تعيين الحدود البحرية، حيث تم مواصلة العمل بين الجانبين للتوصل إلى اتفاق يحقق مصالح البلدين الصديقين".

هذه الفقرة تذيلت بيان للخارجية المصرية، الخميس، عقب ساعات من توقعات إعلامية بإمكانية توقيع اتفاق بين القاهرة وأثينا؛ لتقليل فرص تركيا في الحصول على حقوقها بمنطقة شرق البحر المتوسط. وعلى هذا النحو سار بيان يوناني تحدث أيضا عن استئناف المفاوضات فقط.

وبعد أن عاد من القاهرة بخفيّ حنين، زاد دندياس بقوله، عبر "تويتر": "المحادثات لم تنته بعد".

رغم أنه كانت تنازعه قبل أيام آمال أدلى بها لوسائل إعلام بتوقيع "نتيجة مماثلة" لاتفاق بلاده مع إيطاليا بشأن ترسيم مناطق بحرية.

ومن دون أن يقدم سببا لعدم الاتفاق مع مصر، ذهب دندياس بـ"حسابات خاطئة"، ليتحدث عن أن الاتفاق التركي- الليبي بشأن مناطق النفود البحرية، الموقع في نوفمبر/ تشرين ثان 2019، سيكون بلا أثر، حال تغيير الحكومة الليبية الحالية (المعترف بها دوليا). رغم أن خارجية مصر قالت، عقب وقت قصير من توقيع الاتفاق، إنه "لا يمس مصالحها".

سمير فرج، وهو خبير مصري مقرب من السلطات، قال لوسائل إعلام إماراتية إن "بعض الأمور الفنية تتطلب مزيدا من الوقت للدراسة"، متوقعا بدلوماسية أن يُوقع الاتفاق بين القاهرة وأثينا "قريبا جدا".

وبهذا التأجيل، يتأكد أن اليونان تواصل حساباتها، إزاء قراءة المشهد المصري والتركي معا في شرق المتوسط، وتجعل من فرص تقارب أنقرة والقاهرة أمرا ممكنا، رغم تعقيدات سياسية.

هذه الإمكانية يدعمها أن القاهرة لن تخوض حربا دبلوماسية خشنة ولا ناعمة على جبهتين في آن واحد، في ظل ذهابها إلى مجلس الأمن الدولي، لبحث أزمة مفاوضات سد "النهضة" الإثيوبي، مع تمسك أديس أبابا بالملء المنفرد للسد، في يوليو/ تموز المقبل، وإقرار القاهرة الضمني بأن اتفاق أنقرة- طرابلس "لا يمس مصالحها"، وبالتالي فإن معركة "شرق المتوسط ملف "ثانوي" حاليا.

وفي معادلات المصالح والحقوق بمنطقة شرق المتوسط، ستكون تلك الأطراف البارزة الثلاثة (أنقرة والقاهرة وأثينا) أمام سيناريوهات أقربها للتحقق هو حدوث تقارب مصري- تركي، في ظل جمود يوناني، وذلك على النحو التالي:

أولا: اليونان.. "حسابات خاطئة"

تحاول اليونان أن تسابق الزمن لإقرار ملفات نجاح لمصالحها في شرق المتوسط، ضمن معارك إعلامية عادة ما تفرض واقعا غير حقيقي، آملا في فرضها بجدول أي مفاوضات بحرية في تلك المنطقة التي تتزايد فيها اكتشافات الغاز الطبيعي.

وهذا واضح مع ترويج دندياس مؤخرا لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إيطاليا، غير معلوم التفاصيل رسميا، على أنه "تاريخي"، وتكرار حديثه عن حقوق أنقرة في شرق المتوسط، وهذا ليس بعيد عن الأزمة التاريخية بين اليونان وتركيا بشأن قبرص المقسمة بين تركية ورومية.

وبالنظر لـ"حسابات خاطئة" أخرى لأثينا، وقعت اليونان في 2 يناير/كانون ثان 2020 مع قبرص الرومية وإسرائيل اتفاقا لمد خط أنابيب "شرق المتوسط" (إيست ميد) تحت البحر بطول 1900 كلم، لنقل الغاز الطبيعي من شرق المتوسط إلى أوروبا، مع غياب مصر ذات العلاقات المتميزة مع تلك البلدان.

وتدرك اليونان أن "إيست ميد"، وفق تقارير، يمس مساعي وخطط ومشاريع القاهرة لتحويل مصر إلى منصة إقليمية لتصدير الغاز في شرق المتوسط في المدى البعيد، بجانب حديث مراقبين عن أنه سيواجه عوائق وتحفظات من تركيا وروسيا وإيطاليا، فضلا عن جدواه الاقتصادية الضعيفة ومخاطره الكبيرة.

ولم تضع أثنيا مصالح القاهرة في الاعتبار، متعلقة بسردية أزمتها مع أنقرة، وبالتالي سيكون "إيست ميد" ملفا سياسيا أقرب منه اقتصاديا، ولن تكون اليونان رابحة فيه بشكل مجدٍ، في ظل تعقيدات شرق المتوسط.

فضلا عن أن عدم قدرة أثينا على حسم مفاوضاتها مع القاهرة، في جولتها الثانية عشرة، يكشف عن تشبث اليونان بأطروحات غير قابلة للتنازل، وهو ما سيؤخر حسم أي اتفاق مع القاهرة، التي تبحث بلا شك عن مصالحها.

ولا يغيب عن هذا النطاق، ما أوردته حصريا قناة "الجزيرة مباشر" القطرية، في 4 ديسمبر/ كانون أول 2019، من وثيقتين، لم تعلق عليهما القاهرة ولا أثنيا، تتحدثان عن توصية مصرية برفض الطرح اليوناني لترسيم الحدود، لتمسكه بمواقف قد تؤدي لخسارة مصر مساحات من مياهها الاقتصادية، مع استمرار المفاوضات للتوافق والاستفادة من الموارد.

وتشير وثيقة إلى تقرير للخارجية المصرية، في 2017، يتحدث عن عن لجوء أثينا إلى "مغالطات وإدعاءات وأساليب ملتوية" في المفاوضات عن تعمد "استغلال التوافق السياسي بين البلدين لإحراج فريق التفاوض المصري".

وبعيدا عن صحة الوثيقتين من عدمهما، فإن أثينا تبحث دائما عن "انتصارات أحادية" تعزز الجبهة الداخلية وتخصم نقاط من حقوق تركيا على حساب مصر، وتقوى تحركاتها المستقبلية في أي مفاوضات.

ويبدو أن الأمر سيظل في إطار "حسابات خاطئة"، إلا إذا غيرت اليونان وجهتها، وهذا غير متوقع إلى وقت قريب.

ثانيا: مصر.. لا تخوض معركتين ومصالحها أولا

لن تغامر مصر بخوض معركة "شرق المتوسط" حاليا بحسم، لأمرين مهمين، الأول هو أنها لا تزال على جبهة معركة سد "النهضة" الإثيوبي، وقدمت طلبا إلى مجلس الأمن ليتدخل بشكل حاسم، خاصة وأن إثيوبيا مُصرة على الملء المنفرد للسد، الشهر المقبل، باتفاق أو بلا اتفاق.

فضلا عن أن مصالح مصر حاليا، لا تمَس بالاتفاق اللليبي- التركي المزعج لليونان، وبالتالي لن تخوض معركة لصالح أثينا، كما أن سياسيات القاهرة الخارجية، في السنوات الأخيرة، تركز على تعظيم مصالحها، وبالتالي لن تقبل بخسارة في مفاوضاتها مع اليونان.

إن موقع مصر الجيو-استراتيجي يجعلها، مع اعتبار أن الوقت في صالحها، من أبرز المستفيدين من حقوقها بشرق المتوسط، ولن تقدم على اتفاق ترسيم حدود بحرية أو مناطق بحرية على نحو ما حدث مع قبرص الرومية، في 2014، وذلك لاعتبار أهم.

والاعتبار الأهم هو أن موقف مصر التفاوضي مع اليونان أصبح أقوى بعد الاتفاق التركي- الليبي، وهو ما يجعل القاهرة أقرب إلى أنقرة وليس أثينا.

نعم الاتفاق التركي- اللليبي رُفض مصريا بشكل رسمي، لكن لأسباب معروفة مرتبطة بالتحالف مع اليونان وقبرص الرومية، والخلاف السياسي مع أنقرة، لكن مصر لم تغلق الباب كاملا منذ أزمة 2013، إذ أن المسارات الاقتصادية لا تزال نشطة بين أنقرة والقاهرة.

وبافتراض أن مصر وتركيا لن تذهبا إلى اتفاق مكتوب بديلا عن اليوناني المحتمل، في ظل ما سبق ذكره، فإنه على الأقل سيبقى التقارب الصامت موجودا، في ظل قناعة مصر بأن الاتفاق التركي- الليبي ليس مضرا بمصالحها.

وسيمثل هذا الاتفاق أحد أدوات القاهرة للحفاظ على مكاسبها والضغط في أي جولة مفاوضات، كي تتراجع اليونان عن توسعاتها غير القانونية بشرق المتوسط، على حساب المصالح المصرية، خاصة وأن المعارضة المصرية في الخارج تردد أن النظام سيخسر مساحة من المياه الاقتصادية لصالح أثينا.

ولن تقطع مصر "شعرة معاوية" مع تركيا، ومصالحهما الاقتصادية، من أجل صراع أثنيا مع أنقرة، ولن تتنازل عن مصالحها في "شرق المتوسط"، مع آمالها في التحول لمنصة إقليمية للغاز، خاصة مع تحرك منفرد لليونان وقبرص الرومية وإسرائيل بمشروع "أيست ميد" مسّ بمصالحها، وهو ما لم يفعله الاتفاق التركي- الليبي.

ثالثا: تركيا.. حق سيادي وباب مفاوضات لم يُغلق بعد

من المعروف أن تركيا هي المركز الإقليمي للطاقة في أوروبا، بفضل موقعها الجغرافي بين الدول المصدرة للغاز في آسيا والسوق الأوروبي، وامتلاكها شبكة واسعة من خطوط أنابيب الغاز الطبيعي.

وفي مطلع ديسمبر/ كانون أول 2019، بعد 4 أيام من توقيع الاتفاق بين أنقرة وطرابلس، جدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تأكيده على أن الاتفاق حول تحديد النفوذ البحري في البحر المتوسط مع ليبيا، هو "حق سيادي" للبلدين.

آنذاك، أعلن متحدث الخارجية التركية، حامي أقصوي، في بيان، أن تركيا دعت الأطراف (بلاد شرق المتوسط)، قبل توقيع الاتفاق، إلى مفاوضات للتوصل إلى تفاهم عادل، وأن تركيا لا تزال مستعدة للتفاوض.

وفيما تؤكد أنقرة أن باب التفاوض لم يُغلق في منطقة شرق المتوسط، يبدو أن قطار التفاهمات ربما يتحرك في أقرب فرصة ممكنة نحو تقارب مصري- تركي يتجاوز، بلغة المصالح، "الحسابات الخاطئة" لأثينا.

المصدر: الأناضول

×